سورية بعد عشر سنوات من المذابح… هل دقّت ساعة الحساب؟* إنديان إكسبرس
النشرة الدولية –
هل سيتابع بشار الأسد حياته بكل هدوء؟ بعد عشر سنوات من الحرب في سورية وسقوط أكثر من 500 ألف قتيل ونزوح 11 مليونا آخرين، يبدو أن استراتيجية الترهيب التي يطبقها الدكتاتور السوري أعطت ثمارها، فهو يسيطر اليوم على ثلثَي بلده ولا يقلق حتى الآن من أي محاسبة قضائية. يحميه داعمه الأول فلاديمير بوتين من أي ملاحقات قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية بفضل حق النقض الذي تملكه روسيا في مجلس الأمن. لكن قد يتغير الوضع بسبب قضية إياد الغريب، فقد أُدين هذا الرقيب السابق في الجيش السوري في ألمانيا، في 24 فبراير الماضي، بتهمة اعتقال معارضي النظام السوري، وحُكِم عليه بالسجن لأربع سنوات ونصف بسبب “تورطه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية”، لكن لن تكون هذه المحاكمة البسيطة كافية لإرضاء ملايين ضحايا الحرب السورية الذين يطالبون بتحقيق العدالة. مع ذلك، يعكس هذا القرار تقدماً محورياً نظراً إلى الأساس القانوني الذي يرتكز عليه الحُكم، وفي هذا السياق يقول ستيفن راب، السفير الأميركي السابق لشؤون قضايا جرائم الحرب في عهد أوباما: “لقد اصطدنا سمكة صغيرة في محيط شاسع من الأعمال الوحشية. لكنّ مبدأ الولاية القضائية العالمية المعتمد في ألمانيا يعطي ضحايا المذابح السورية فسحة أمل، ولو أنها ضئيلة”. هذا المبدأ يسمح لأي محكمة وطنية بإصدار أحكامها في الجرائم المرتكبة في بلد خارجي شرط أن يكون المرتكبون مرتبطين بطريقة معينة بالبلد الذي يوجّه لهم الاتهام.
حوكم الغريب أمام المحاكم الألمانية لأن هذا العسكري السوري انشق عن الجيش في عام 2012 وتوجه إلى منطقة الراين، إذ يستطيع عدد كبير من ضحاياه التعرف عليه، وسمعت السلطات القضائية الألمانية إفادته بصفته شاهداً في البداية، لكن سرعان ما وجّهت إليه التُهَم بناءً على مبدأ الولاية القضائية العالمية.
هذه السابقة تفتح آفاقاً جديدة أمام الجهات القضائية التي تجري التحقيقات حول ارتكابات النظام السوري، يقول ستيف كوستاس، عالِم قانوني في “جمعية العدالة المفتوحة”: “تمكّن القضاة من تحليل الأدلة المرتبطة بأعمال التعذيب التي يرتكبها نظام الأسد وقبلوا بها، مما يعني إمكانية استعمالها ضد المسؤولين السوريين الآخرين”. رفعت منظمته غير الحكومية التي تدافع عن ضحايا النظام أول شكوى في فرنسا في 1 مارس لمحاسبة مرتكبي “جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”، وأصبح مئات الضباط التابعين للأسد في قفص الاتهام. في المحصلة، رُفِعت 13 دعوى قضائية أمام السلطات القضائية الأوروبية بفضل مبدأ الولاية القضائية العالمية، ويُفترض أن يُضخّم الحُكم الألماني الأخير هذه النزعة.
الأدلة المطروحة دامغة، فقد احتفظ جيش الأسد نفسه بسجل كامل عن جرائمه، وتشمل هذه الأدلة نحو 55 ألف صورة للجثث ويمكن التعرف عليها عبر أرقام السجناء والوحدات التي أعدمتهم، وقد وصلت هذه المواد إلى السلطات القضائية الأوروبية. يقول راب الذي شارك في المحاكم الخاصة برواندا وسيراليون: “إذا مَثُل الأسد أمام المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، فستكون قضيته أسهل قضية في تاريخ العدالة الدولية لأن الأعمال الوحشية التي ارتكبها النظام السوري مسجّلة ومصنّفة بكل وضوح. حتى النازيين لم يتركوا وراءهم هذا النوع من الأدلة الواضحة”. قد تؤثر هذه القرارات القضائية نفسياً على القوات العسكرية التي بقيت موالية للنظام السوري، حيث تقول راندا سليم، باحثة في “معهد الشرق الأوسط”: “تعرف السلطات السورية اليوم أن الأدلة التي تسمح بِجَرّ المرتكبين أمام العدالة وإدانتهم أصبحت هائلة، شرط أن يتطور السياق الجيوسياسي القائم”. بالتالي، لن ينعم بشار الأسد بالهدوء نفسه بعد هذه المرحلة!