السُمر* ريم قمري
النشرة الدولية –
لا شيء بوسعه أن يفسر منطقيا انجذابك لشكل شخص ما، او تفضيلك لمقايس معينة للجمال، الأمر برأيي و ببساطة شديدة مرتبط بذائقة معينة تخضع بدورها لبحثنا و ربما دون وعي منا عن من يختلف عنا في الشكل، ويتحول هذا الاختلاف مقياسا أساسيا في حكمنا على المسألة الجمالية بصفة عامة.
شخصيا أحب السُمر كثيرا ، و أرى دائما ان الرجل الاسمر وسيم جدا، هناك شيء خفي يجذبني فيه و أحس بمقايسي الجمالية الخاصة ، أن السمر هم الاجمل، طبعا هو مقياس غير موضوعي بالمرة، و كما أسلفت سابقا ، هو ربما تلك المرآة العاكسة التى نبحث فيها عن من لا يشبهنا او من هو عكسنا تماما من ناحية الشكل أتحدث طبعا، كأن ينجذب الشقر نحو السُمر كأنما يجذبهم مغنطيس، و العكس أيضا صحيح يفضل السمر الشقر .
طبعا أنا هنا أتحدث من منطلق الانجذاب الأولي و ليس عن الحب، لأن الحب اعقد بكثير من فكرة الانجذاب الخارجي و التأثر بالشكل و بمقاييس الجمال التى تحرك ذائقتنا.
لأننا يمكن ان نقع في حب شخص لا يخضع مطلقا للشكل المثالي الذي نحبذه، بل قد نعشق عكسه في بعض الأحيان.
اذا انا هنا أتحدث فقط عن ذلك الإحساس القوي و العابر الذي يتركه فيك، شخص ما قد تجمعك به صدفة، و يكون التسجيد المثالي لمعني الجمال في نظرك، و قد لا تراه مجددا، لكنك ستذكره دائما في مخيلتك كرمز للجمال.
تذكرت كل هذا اليوم، حين كنت في مركز تجاري ، اقتني أغراض للبيت، و حين وقفت لدفع الحساب كان يقف أمامي زوج يمثلان نقيض بعضهما تماما من ناحية الشكل، لكنني أحسست ان بينهما حب و انسجام كبير، و بدا لي شكلهما معا أشبه بلوحة فنية رائعة.
سنة 2000 كنت في في مدينة هانوفر الألمانية، لتغطية مهرجان “هانوفر الدولي” كنا فريقا كاملا ، نقضي اليوم في العمل داخل المعرض بين تصوير وإجراء مقابلات، و في فترات الراحة كنت أغتنم الوقت للتجول داخل أجنحة المعرض الضخم، و أتعرف على أكثر عدد من البلدان المشاركة.
و في مرة كنت رفقة صديقتين من التونسيين المقيمين بألمانيا، كنت قد تعرفت عليهما و عرض عليٌ التجول معا، كنا نتمشى و نتحدث، و لا اعرف كيف شردت منهما و أنا مشدوهة أتفرج على الرقص الإفريقي الساحر، توقفت ماخوذة أتفرج و لم انتبه لذهابهما، و لم ينتبها لفقدي، انتهى العرض، و التفت أبحث عنهما، لم أكن املك جوال وقتها، كما أني لا أستطيع الرجوع وحدي لانها اول مرة اتوغل فيها بعيدا عن دائرة الجناح التونسي وحدي، كان دائما هناك أحد ما يرافقني من فريق العمل او من المشرفين عن الجناح التونسي ، لذلك كان أسلم حل ان أبقي في مكاني و أنتظر ان تعودا للبحث عني.
كنت واقفة حين مر من أمامي شاب إفريقي، ابتسم لي فبدت أسنانه أشبه بأقمار، ابتسم و مضي ثم ما لبث ان استدار و عاد أدراجه، تقدم مني و بادرني بالتحية، و لجهلي المطلق و التام باللغة الألمانية أجبته بانجليزية عرجاء، كان وسيما بشكل مرعب، بسمار جميل و بشرة لامعة، يملك ملامح في غاية الدقة و الرقة، عيونه تبتسم ، تلك العيون التى تجيد الابتسام دون تحفظ و بتلقائية شديدة، و شعره الاسود الكثيف و المجعد، بالنسبة لي كنت أمام أجمل وجه بشري على الاطلاق، و مازلت الى اليوم اعتقد انه أجمل من رأيت.
بقيت احدق فيه مشدوهة، واصل الحديث معي بالألمانية، حاولت ان احدثة بالإنجليزية لم تسعفني، عدت للفرنسية آملة ان يفهمني، افتر ثغره الجميل عن ابتسامة و اجابني بالفرنسة ” لست ألمانية؟ ” أجبته ” لا ” ” فرنسية إذا ؟ “، أخبرته أني تونسية و أخبرني انه سينغالي و يدرس في ألمانيا ضحك و قال لي ” نحن اولاد عم اذا” أجبته طبعا و ضحكنا معا، سألني لو أقبل ان نشرب قهوة معا و نخطط و نلتقي لاحقا أجبته أني اغادر خلال يومين و لا أعلم ان كنت سأعود يوما ما، ابتسم بلطف و مد لي يده مصافحا، آمل مع ذلك ان نلتقي ربما يوما ما في دروب هذه الحياة، أجبته أني اتمنى ذلك أيضا.
ظل واقفا ينظر لي في صمت، قطعه صوت احدى صديقاتي و هي تهرول نحوي و تقول” متنا بالخوف عليك قلنا ضاعت و هي ما تعرفش تحكي حرف بالالمان رعبتنا و انت واقفة هوني”، ثم امسكتني من ذراعي و سحبتني تبعتها و تركته خلفي، بعد ما تقدمنا خطوات التفت للخلف كان ما يزال واقفا هناك يبتسم أقمارا.