في لبنان… الدولار يحلّق رغم إقفال منصّات.. لعنة السياسة تصيبه ولا تستغربوا هبوطًا مدوّيًا

النشرة الدولية –

لبنان 24 – نوال الأشقر –

يسجّل عداّد الدولار في السوق الموازية إرتفاعًا دراماتيكيًا، وبدل أن يشهد اللبنانيون بدء انخفاض سعر الصرف بعد اجتماع بعبدا وما تلاه من مقرارات لملاحقة مشغّلي المنصّات، ازداد الوضع سوءًا، وواصل الدولار مساره التصاعدي بوتيرة أسرع. ولعلّ تغريدة النائب المستقيل نعمة افرام الأكثر دلالة على فعاليّة القرارات السياسية في لجم الدولار “ما هذه العبقرية في قرار إقفال المنصات؟ يعني إذا مؤشر الحرارة في السيارة مرتفع نقوم بتكسيره؟”.

بالفعل يبدو المشهد كمن يلطم رأسه الذي يؤلمه في الحائط، من دون أن يعالج مسبّبات الألم، وكما توقّع معظم الخبراء في مجال المال والإقتصاد، إقفال المنصات أو غياب بعضها عن السوق لن يخفض الدولار، عامل المضاربة موجود بطبيعة الحال، وتجّار العملة منّ الصرّافين والمتحكّمين بالتطبيقات لهم أدوار في جنون الدولار ورفع سعره، حتّى خلال أيام الآحاد حيث لا توجد أسواق مالية، لكنّ الأسباب الحقيقية لتفلّت سعر الصرف تتخطّى عامل المضاربة إلى مكامن خلل كبيرة، لا يمكن معالجتها بقرارات ترقيعيّة، بدليل أنّ السعر يقفز بين ساعة وأخرى في اليوم الواحد، على رغم الجهود الأمنيّة التي بُذلت، ونتج عنها توقيف صرّافين وإغلاق عشرات التطبيقات الإلكترونية وصفحات الإتجار بالدولار على مواقع التواصل الاجتماعي.

الخبير في الشؤون الإقتصادية البروفيسور بيار الخوري في حديث لـ “لبنان 24” رأى أنّ الاستنابات القضائية لا معنى لها “لأنّه في قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي 17/90 حيث أُنيطت بهذه القوى مراقبة تنفيذ القوانين ضمن صلاحيات الضابطة الادارية، بالإضافة إلى ذلك فإنّ حاكم مصرف لبنان، بصفته رئيس هيئة التحقيق الخاصة، الذي عبّر عن عجزه عن فعل أي شيء إلّا بعد وقت، كان ملزماً بموجب توصيات مجموعة العمل المالي “غافي” أن يبلّغ في خلال ثلاثة أيام عن حصول أية تحويلات مشبوهة، ويضعها في تصرّف سلطات انفاذ القانون بصورة تلقائيّة. كل هذا الاستعراض بلا داع سوى تأكيد أنّ احداً لا يفعل شيئًا حاسمًا لمواجهة الأزمة”.

مراقبة قفزات سعر الصرف في السوق الموازية تُظهر أنّ البورصة صعودًا وهبوطًا لم تكن تستند إلى أيّ معيار اقتصادي قائم على معادلة العرض والطلب، فالسعر الذي كان يستقر لفترة أسابيع بهوامش معينة، ما يلبت أن يقفز بشكل جنوني مع عطل نهاية الأسبوع وبظل إقفال الأسواق المالية. مثلًا قبل أسابيع قليلة كان الدولار يستقرّ لفترات بحدود 8 الآف، نهاية شباط الماضي تراوح بين 8500 و 9600 ليرة، ثم تخطّى الرقم النفسي المثمثل بالـ 10 الآف ليرة. بعدها بات يرتفع في اليوم الواحد ما بين 500 و 1000 ليرة، وفي الأيام الأربعة الأخيرة وصل إلى عتبة الـ 13 ألف ليرة.

وفق مقاربة الخوري لا علاقة للعناصر الإقتصادية بمشهدية البورصة المتقلّبة بشكل جنوني “ولو كان تفلّت سعر الصرف منوطًا بالإنهيار الإقتصادي دون سواه، لكنّا شهدنا هذا الوضع قبل اليوم، بل عندما وصل الدولار الى عشرة الآف ليرة في تموز الماضي، قبل أن يعاود الإنخفاض في ظلّ بقاء المؤشرات الإقتصادية على حالها. ليس هذا فحسب بل حصلت في ذلك الحين كارثة انفجار المرفأ، وهو عنصر كفيل وحده بانفلات السعر أكثر مما هو عليه اليوم، تلته كارثة تحوّل بيروت مركزًا حاضنًا لوباء كورونا وما فرضه من إقفال البلد، كلّ هذه العوامل لم ترفع الدولار بشكل كبير كما نشهد اليوم، وهو محل استغراب في حينه، وتفسير ذلك أنّ هناك مالًا سياسيًا يثبّت الدولار. العامل المستجد مؤخرًا بلجوء المصارف إلى السوق الموازية، لتأمين حاجتها من العملة الصعبة لإعادة الرسملة تطبيقًا لتعميم مصرف لبنان 154، هو عامل يساهم برفع السعر ولكنّه أيضّا ليس العامل الرئيسي بالارتفاع الدراماتيكي لسعر الصرف، بالتالي تبقى فرضيّة سياسية، مفادها أنّ القوى السياسية التي كان لديها مصلحة بالحدّ الأدنى من الإستقرار، خصوصًا في الفترة الإنتقالية قبل الإنتخابات الأميركية، ربما انتفت هذه المصلحة وتحوّلت الى استراتيجية جديدة هجومية، مقابل استراتيجية الإنتظار قبل رحيل دونالد ترامب. والتصعيد الذي يأخذ منحًا اقتصاديًّا في لبنان يتمظهر بأشكال أخرى في العراق واليمن. وبالتالي تتفوّق المعادلة السياسية على كلّ العوامل في فرض إيقاعها في السوق الموازية”.

يؤكد خوري أنّ السعر الإقتصادي للدولار لا يتجاوز الـ 7 الآف ليرة “طالما أنّ العنصر الإقتصادي لا ينفرد في تحديد السعر، لا تستغربوا هبوط الدولار بعد أيام أو بعد شهر إلى 7 أو 8 أو 10 الآف، فهناك أياد خفيّة تسمح بالإنفلات، ثم تعرض الدولار لضبطه على إيقاع سياسي وليس اقتصاديًا، من هنا لا ينفع أي تكهن لبورصة الدولار بظل تأثير تطورات بأبعاد سياسية على المشهد برمته”.

يدرك أهل الحكم أنّ منصّتهم السياسية تفوق بسلبيتها المنصّات الإلكترونية وحفلات المضاربة اللعينة، كلاهما يتواطأ ليوجّه لليرة المزيد من الضربات، كلاهما يدرك أن عدّاد الدولار بلا كابح، وكذلك عدّاد الفقراء والمعوّزين الذين تتسع دائرتهم كلّ ساعة مع كلّ تحليق للدولار، والحل يبدأ في المسار السياسي لينسحب على الإقتصادي، فماذا ينتظر المسؤولون للإفراج عن الحكومة؟ أيّ خيانة وطنية تُرتكب بحق شعب ووطن وأرض؟ وأي لعنة ستلاحق ذكراهم في التواريخ الحاضرة والمستقبليّة وهم الذين عطّلوا كلّ بارقة أمل لوقف عجلات الإنهيار؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى