أسباب أدت إلى تصعيد الأزمة السياسية في الكويت من وزراء مجلس الأمة إلى “عضوية الداهوم”
النشرة الدولية –
الحرة – نهى محمود –
رغم أن مجلس الأمة الكويتي يتمتع بهامش ديمقراطية أكبر بكثير مقارنة بباقي دول الخليج الأخرى، فإن الخلاف بين البرلمان المنتخب في البلاد والحكومة المعينة عمق الأزمة السياسية في هذه الدولة الخليجية.
وكان الناخبون في الكويت استقبلوا نتيجة انتخابات البرلمان بكلمتهم المبهجة دائما “بيضوها” تعبيرا منهم على الصبغة الإصلاحية التي غلبت على أعضاء مجلس الأمة.
إلا أن هذه الفرحة يبدو أنها تتلاشى بعد تعليق عمل المجلس في فبراير الماضي، مما دفع الدولة الثرية بالنفط نحو أزمة لم تعتادها، وأعاق الجهود الرامية إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي.
ولم تتوقف الإعاقة عند ذلك، بل طالت أعضاء أبرز نواب المعارضة في مجلس الأمة الكويتي، بإبطال المحكمة الدستورية الكويتية عضويته، وإحالة 38 برلمانيا ورئيس البرلمان إلى النيابة العامة، هذا الأسبوع.
ويتألف مجلس الأمة الكويتي من 50 عضوا موزعين على خمس دوائر انتخابية، ويتم انتخابهم عن طريق الاقتراع العام السري المباشر لدورة برلمانية تستمر أربع سنوات.
وتتمثل الأزمة الحالية، كما يراها محمد اليوسف الباحث السياسي لموقع “الحرة”، في أن “الوزراء هم أعضاء غير منتخبين في المجلس، بحكم مناصبهم”.
ولا يزيد عدد الوزراء في البرلمان عن ثلث أعضائه، أي 16 وزيرا بالإضافة إلى رئيس الحكومة.
ويقول اليوسف إن انتخابات البرلمان أسفرت عن “أغلبية إصلاحية تمثل رأي قطاع كبير من الشعب، وحكومة تخالف هذا الرأي وغير متناسقة مع مخرجات الانتخابات، ولا تعكس أولويات الشعب”.
وتحدث الباحث الكويتي عن الغضب الشعبي بسبب ما يرونه نواب في البرلمان، الذي تم انتخابه في ديسمبر والذي غلب على تشكيله نواب معارضون، عناصر تأزيمية في مجلس الوزراء.
وعن أوجه هذا التأزيم تحدث اليوسف عن الاعتراض على تدخل أعضاء الحكومة في البرلمان لدعم رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ليفوز بهذا المنصب من جديد، في حين صوت 28 من النواب لمرشح آخر بالإضافة إلى تدخلهم أيضا في تشكيل لجان المجلس “إن كان هذا من حقها الدستوري”.
وأضاف “هناك مطالبات شعبية بألا تتدخل الحكومة وتترك الأمر للنواب، فضلا عن الاعتراض على انتخاب الغانم مرة أخرى”.
ويرى اليوسف أن أعضاء السلطة التنفيذية بالبرلمان بالإضافة إلى نواب منتخبين مواليين للسلطة قد يشكلون كتلة برلمانية تصوت على جميع القوانين الحكومية.
وتابع قائلا: “هذا الأمر يخدش الديمقراطية في الكويت، ولذلك كان هناك شد وجذب بين الحكومة والمجلس منذ نوفمبر الماضي وحتى يومنا هذا”.
وفي يناير الماضي، قدم وزراء الحكومة استقالاتهم لرئيس الوزراء، بعد أيام من طلب نواب بالبرلمان استجواب رئيس الوزراء حول ثلاثة محاور، وفقا لصحيفة الاستجواب:
الأول: “مخالفة صارخة لأحكام الدستور عند تشكيل الحكومة… باختياره لعناصر تأزيمية في مجلس الوزراء” وعدم مراعاة اتجاهات المجلس الجديد الذي يغلب عليه نواب من أصحاب التوجهات المعارضة.
الثاني: “هيمنة السلطة التنفيذية” على البرلمان من خلال دعم الحكومة لرئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم ليفوز بهذا المنصب من جديد، في حين صوت 28 من النواب لمرشح آخر بالإضافة إلى “التدخل السافر في تشكيل لجان المجلس” من قبل الحكومة.
الثالث: “مماطلة الحكومة في تقديم برنامج عملها لهذا الفصل التشريعي” وهو ما اعتبره مقدمو الاستجواب “إخلالا بالالتزام الدستوري” الذي يفرض عليها تقديم البرنامج فور تشكيلها.
وحظي الاستجواب الذي تقدم به النواب (بدر الداهوم وثامر الظفيري وخالد العتيبي) بدعم 33 نائبا آخر، وهو ما يعني أن 36 نائبا على الأقل من أصل خمسين يؤيدون استجواب رئيس الحكومة.
وحدث ما كان متوقعا، فلم يمثل رئيس الوزراء للاستجواب، وقدمت الحكومة استقالتها بعد أقل من شهر على تشكيلها.
وأصدر أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، مرسوما بتأجيل انعقاد جلسات مجلس الأمة لمدة شهر اعتبارا من 18 فبراير، لسحب فتيل التوترات.
وبعد أقل من أسبوع على إعلان حكومة جديدة، قدم بدر الداهوم ومحمد المطير استجوابا جديدا لرئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح يتهمان الحكومة فيه “بالانتقائية في تطبيق القانون”.
ويتعلق الاتهام بإحالة وزارة الداخلية عشرات المواطنين، بينهم نحو 15 عضوا في البرلمان، إلى النيابة العامة لمخالفة التدابير الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا، في مؤتمر صحفي، نظمته المعارضة.
يقول اليوسف: “الشعب كان يرى هذه الانتقائية في تطبيق القانون، فأغلب البلاغات المقدمة للنيابة العامة لمخالفة التدابير الاحترازية كانت تستهدف نواب المعارضة وهم يعقدون اجتماعاتهم التنسيقية ومؤتمرات، فضلا أن بعض البلاغات يعود لثلاثة أشهر مضت عندما حدثت بعض التجمعات للاحتفال بالفوز”.
وأضاف “النواب اعتبروا ذلك استفزازا، وكان هناك غضب شديد في تويتر والشارع، فالحكومة قدمت بلاغاتها ثم سحبتها وأعتقد أن ذلك بسبب الحملة الشعبية المعارضة”.
تعقد المشهد السياسي بينما كان الداهوم ينتظر حكما من المحكمة الدستورية بشأن عضويته في البرلمان. وحاول الداهوم عقد ندوة قبل صدور الحكم، بحضور نواب متضامنين معه، لكنه تحول إلى مؤتمر صحفي.
يقول اليوسف: “هذا المؤتمر كان من المفترض أن يكون ندوة تأييد للنائب بدر البرهوم قبل قرار المحكمة، وحصل على موافقة وزير الداخلية، وكانت دوريات الشرطة تحاوط مكان انعقاده”، الأمر الذي أكده النائب ثامر السويط وغيره من النواب أيضا.
والأحد الماضي، أصدرت المحكمة الدستورية قرارا بإبطال عضوية الداهوم في مجلس الأمة الكويتي، بزعم أنه أدين في السابق بتهمة إهانة أمير البلاد الراحل.
وأثار القرار غضب زملاء الداهوم من النواب، لأن أعلى محكمة استئناف في البلاد كانت برأت الداهوم آنذاك من تهمة التشهير، مما مهد الطريق أمامه لخوض الانتخابات البرلمانية العام الماضي.
والثلاثاء، أحالت وزارة الداخلية جميع النواب المشاركين في مؤتمر الداهوم، “إلى النيابة بحجة مخالفة الإجراءات الصحية حيث تفرض الكويت تباعدا جسديا وحظر تجول”.
ويفهم الكويتيون من هذا التطور أن الحكومة لا تريد الإصلاح، بحسب اليوسف.
وسابقا، أدى الخلاف بين الحكومة والبرلمان إلى تغيير حكومات متعاقبة وحل البرلمان، مما عرقل مشاريع الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تحتاجها البلاد كما أصاب الحياة السياسية بالجمود.
ويواجه الاقتصاد الكويتي، المعتمد بالأساس على مورد وحيد هو النفط، عجزا يبلغ 46 مليار دولار في السنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس آذار 2021، بسبب جائحة كورونا وهبوط أسعار النفط وفقا لما قاله وزير المالية السابق براك الشيتان في أغسطس آب.
وللتغلب على هذه المعضلة تسعى الحكومة لتمرير مشروع قانون الدين العام الذي يسمح لها باقتراض 20 مليار دينار (66 مليار دولار) على مدى 20 عاما، وهو المشروع الذي رفضه البرلمان السابق.