رحلة المنازل في غرفة… وشجون أخرى في ذكرى الثورة السورية

النشرة الدولية –

أقامت مبادرة “رؤى لأجل سورية” بالتعاون مع مجموعة من الناشطات والناشطين السوريين المقيمين/ات في برلين، حملة بعنوان (Callforsyria)، وهي عبارة عن مداخلة فنية إحياءً للذكرى العاشرة للثورة السورية، وتتضمن إطلاق موقع إلكتروني، بالتزامن مع افتتاح معرض فني يقام حالياً في برلين على أن يجوب مدناً أوروبية. يتألف المعرض والموقع الإلكتروني من عشرة أعمال فنية صُممت لتمثيل أكثر الأحداث تأثيراً في الثورة السورية. كما صور كل من هؤلاء الفنانين والفنانات فيديو قصير يطلب/ن فيها من الجمهور تقديم الدعم لأي من المنظمات الإنسانية العاملة على الملف السوري.

شعارات الغرافيتي الطفولية

العمل الأول لسلام حسن وهو بوستر يستلهم فنون الغرافيتي التي عرفتها الثورة السورية في بداياتها، وبالتحديد الشعارات الأولى التي خطها أطفال “مدرسة الأربعين” في درعا، مع عبارة “أجاك الدور يا دكتور”، كذلك ضمّن الفنان عمله، كلمة بالإنكليزية freedom. ليست فكرة الفنان فقط استعمال قدرة الغرافيتي على إيصال الرسائل، بل يستلهم أيضاً جماليات فن الغرافيتي في تصميمه البصري، من حيث ضربات الكتل اللونية، انزياحات الأحرف التي توحي كأنها مبخوخة، البخ أحد تقنيات الغرافيتي، على جدار. كما يظهر في البوستر خمسة أطفال وطفلات يجمعهم/ن اللون الداكن التي رسمت فيه ملابسهم/ن، بينما تؤدي واحدة منهن إشارة النصر، وهي إشارة طالما راجت في الصور الملتقطة لأطفال أثناء المظاهرات الاحتجاجية. بوستر سلام حسن يحمل مضامين الثورة، الحرية، الطفولة، بعالم لوني غني وكثيف يتدرج من البقع اللونية الفاقعة إلى الألوان الأشد قتامةً. كأن الفنان أراد أن يجاور بين بهجة المطالبة بالحرية والمصير الصعب التي عانته الطفولة السورية منذ عشر سنوات حتى اليوم.

.

يتشكل العمل الثاني لسلينا أباظة من مجموعة من الصور النغاتيف المتعلقة بالمظاهرات الشعبية الحاشدة في سورية، تجاورها الفنانة بعضها إلى بعض على شكل شريط نيغايف مربع يمتد على كامل مساحة البوستر، وفي المنتصف كتلة سوداء توحي بأنها من مادة النايلون. أيضاً، تدمج الفنانة بين العناصر البصرية واللغوية، لنقرأ في منتصف البوستر مقطعاً من قصيدة للشاعر المصري هشام الجخ بعنوان “مزق دفاترك القديمة كلها”، دمجتها الفنانة في عملها البصري، كرسالة متعلقة بكسر الخوف، بالحب، بالعلاقة بين الفرد والآخر في ظل الظروف القاسية للانتفاض: “عيناك أجمل طفلتين تقرران بأن هذا الخوف ماض وانتهى، كانت تداعبنا الشوارع بالبرودة والصقيع، ولم نفسر وقتها، كنا ندفئ بعضنا في بعضنا ونراك تبتسمين ننسى بردها”. بهذا المدمج بين تصميم بصري سوري ومقاطع شعرية مصرية يرمز عمل سيلينا أباظة أيضاً إلى مرحلة تاريخية موحدة بين البلدين في تجربة كسر الخوف. فكما استلهم الشعب السوري ثورة تونس ومصر في الربيع العربي، استلهمت الفنانة السورية من الشعر المصري في عملها الفني هذا.

ساعة ونصف الساعة من المقابر الجماعية
تختار رزان صباغ حدث الهجمات الكيماوية التي وقعت في منطقة الغوطة-ريف دمشق، في أعلى يسار البوستر، وضعت الفنانة أرقاماً تدل على الساعة التي وقع فيها الهجوم، 02:30 لتتالى من بعدها سلسلة من المقابر تمتد على كامل سطح الصورة، وصولاً إلى أسفل يمين اللوحة حيث وضع الساعة 04:00، مما يبين أن المقابر المرصوفة في الصورة هي على عدد الضحايا الذين سقطوا خلال هذه الساعة والنصف من التاريخ السوري. في منتصف الصورة الشعار أو اللوغو المعروف بالإشارة إلى وجود مواد كيميائية خطيرة، ويغلب على البوستر اللون الأصفر المستعمل في هذا النوع من اللوغو عادةً، مما يجعل أجواء هذه العمل البصري مشحونة بالرعب والتوتر والخطر، لكن بشكل أساسي بالرهبة التي تصاحب هذا العدد من الضحايا الذي سقطوا لأنهم فقط يتنفسون الهواء.

بين الكتاب والطائرة الحربية
لا يجسد عمل ديالا برصلي حدثاً تاريخياً بعينه، لأنها تختار الإضاءة على موضوعة الطفولة السورية. في تصميمها البصري يحضر الطفل، الكتاب، العصفور، والسحاب المتشكل من دخان الصواريخ. لا يميز أسلوب الفنانة بالعمل على موضوعة الطفولة، بل أيضاً في استلهام أسلوبيات رسومات الأطفال، فنجد الألوان التي توحي بأنها أقلام خشبية مما يستخدمه الأطفال، مع مساحات لونية واسعة بألوان حمراء وبيضاء وبنفسجية. الطفل المصور في البوستر، يقرأ، ويحضر الكتاب في وسط البوستر باعتباره مركزاً للعمل، بينما تشوش على قراءة الطفل صواريخُ فوقه أو في مخيلته. يتميز هذا العمل بالربط المستمر الذي أرادته الفنانة بين الطفل والكتاب، بين فعل القراءة النقيض لفعل الحرب، بين المعرفة والعنف المحيط بها. والأجمل أننا نرى العصفور فوق رأس الطفل يتلصص أيضاً على الكتاب للقراءة، ما يوحي بالفضول، والعوالم الجذابة التي تنقلها الكتب إلى عالم الطفولة ومخيلتها.

الغائبون عن عيوننا وأسماعنا
“الأمر لا يتعلق بهويتي، ومن أنا، أو ما أقدمه في هذا الفيديو، الأمر يتعلق…”، بهذا المقطع يبدأ الفيديو الذي صممه تمام العمر لدعم عائلات ضحايا التعذيب، وعائلات المختفين قسراً في المعتقلات. بعد هذه العبارة الافتتاحية يكمل الفيديو لكن بعد أن ينقطع الصوت، لتستمر العبارات بالظهور كتابةً فقط، لنكتشف أن إخفاء الصوت في الفيديو هو جزء من تصميمه، لنتابع ما يقوله عبر الكلمات المتتالية كترجمة: “إن الأمر يتعلق بآلاف الوجوه الموجودة في صور قيصر، وجوه انمحت من الألم، والأمر يتعلق بالآلاف الآخرين الذين يواجهون المصير نفسه”. إخفاء الصوت هو خيار فني للتعبير عن الوجوه المخفية في صور قيصر، عن الجثث المخفية، وكذلك عن أصوات المعتقلين الذين ينتظرهم مصير الاختفاء والموت المماثل. كذلك يستلهم الفنان مفهوم الإخفاء في تصميم البوستر، فإن كان الاخفاء مجسّداً صوتياً في الفيلم، فإنه يُجسد بصرياً في البوستر، حيث يخفي الفنان ملامح الحضور الإنساني الموجود في الصورة. إن التغييب بالموت أو الاختفاء القسري يعبر عنه الفنان بأن يحجب عن عين الناظر الحضور الإنساني المراد رؤيته، وبذكاء يضع الفنان أسفل الصورة عبارة مماثلة لتلك التي توضع على مرايا السيارات، بتحوير بعض المفردات التي تجعلها متعلقة بالجسد البشري: “إن الأجساد المعذبة تكون متألمة أكثر مما تظهر عليها في الشاشة”، بالإشارة إلى الفارق بين تأمل الألم في عمل فني، وبين عيشه بالتجربة الجسدية.

الخراب من الذاكرة إلى الفن
كذلك يصمم علاء حمامة الفيديو والبوستر الخاص به وفقاً لمفهوم الخراب. في الفيديو الخاص به يعلو صوت الطائرات الحربية ومن ثم أصوات الصواريخ والقذائف على صوت المتحدث. أما البوستر فهو مؤلف من برواز لوحة مذهب، يضم بين أضلاعه المربعة صوراً ممزقة، قطعاً من خشب البرواز نفسه، رسائل ممزقة. ركام الأشياء والصور هذا يخرج من اللوحة ليمتد على كامل سطح البوستر ليوحي العمل بامتداد الركام والدمار خارج إطار اللوحة. إنه الدمار الممتد على كامل الجغرافية السورية، بعض القطع الخشبية للبرواز توحي بالرصاص ببقايا قنابل وصواريخ متفجرة. الصور الفوتوغرافية العائلية الممزقة والرسالة تبين الخراب الحال بالذاكرة، بالأرشيف، وبالفن أيضاً.

حقيبة داخل جواز السفر
أيضاً، يمكن إدراج عمل تامر ملاك أيضاً في إطار العمل المفاهيمي، صمم الفنان حقيبة السفر على شكل جواز السفر السوري، في إشارة إلى ظاهرة النزوح السوري القسري هرباً من الحرب، والهجرة السورية من الدمار التي عرفها العالم، سواءً عبر الطرق البرية أو البحرية. كذلك ترمز حقيبة على شكل جواز سفر سوري إلى العلاقة مع الأوراق الإدارية، في رغبة للتعبير عن الصعوبات التي يواجهها الشعب السوري في العلاقة مع أوراقه الإدارية. فجواز السفر واحدة من الأوراق الإدارية التي فرضت من قبل دول الجوار ودول اللجوء على النازح والمهاجر السوري حتى الآن. عمل بسيط التأليف المفاهيمي لكنه ذكي ولماح في التعبير عن ظاهرة عاشها المجتمع السوري بكثرة في السنوات الأخيرة.

رحلة المنازل السورية في غرفة
في العمل الثامن، تدمج زينة العبد الله بين فن التصميم الرقمي والصور الفوتوغرافية، فموضوعة الصورة هي العائلة السورية، نجد في الجزء العلوي من الصورة عائلة بالأبيض والأسود توحي بالصور الفوتوغرافية العائلية المرتبطة بالذاكرة حيث تقف العائلة بأكملها مواجهة للكاميرا لتلقط لهم صورة وجهية، أما القسم السفلي من اللوحة فهو أكثر تلوناً يميل إلى الإحساس البصري الناتج عن المعالجة البصرية الغرافيكية. تغلب النساء في القسم السفلي من البوستر، وهن لا يجلسن بالأسلوب الوجهي لأعلى الصورة، بل بصورة دائرية حول مجموعة من الأطباق الفارغة. وإن كان القسم العلوي من اللوحة يوحي بالمنزل السوري، فإن القسم السفلي يحيلنا إلى بصريات المخيمات. كأن الفنانة في صورة واحدة تنقلنا بين عالمين عالم المنزل-الذاكرة-الحنين، عالم النزوح-المخيمات-والأواني الفارغة من الطعام. هذا المزيج بين عالمين، أسلوبين فنيين، وحتى بين الفوتوغراف والغرافيك، يخلق عالماً بصرياً مكثفاً بالمشاعر في العمل الفني الذي يبد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button