جهد خاسر في الكلام* كرم نعمة

النشرة الدولية –

ليس العبث المتفاقم في البرامج الحوارية التلفزيونية وحده من يصنف ضمن الجهد الخاسر، هناك ما هو أكثر ويتمثل في الجدل المتصاعد في حياتنا والكلام المتعب غير المنتج الذي لا يفضي إلى تحفيز العقول والضمائر.

الرجال يزعمون أنهم غالبا ما يقابلون ثرثرة زوجاتهم بالاستماع على مضض وعدم الرد عليهن، في نوع من التواضع المركّب. وسرعان ما يتلاشى هذا التواضع عندما يرغم الرجال زوجاتهم على الانصياع لسماع ثرثرة غير نافعة. هناك خسائر في زيادة الكلام عند الطرفين.

علم التفكير ينصحنا بألا نستمر في النقاش مع الأشخاص غير العقلانيين. وألا نحاول تغيير آرائهم. بدلاً من ذلك، علينا مساعدتهم في العثور على دوافعهم الخاصة للتغيير. وتلك مهمة تبدو لي أزعج بكثير من النقاش معهم!

عندما نحاول تغيير رأي شخص ما، فإن دافعنا في المقام الأول هو الوعظ بصواب ما نعتقد به حيال اعتقاد الآخر الخاطئ

يعترف عالم النفس آدم غرانت المهتم بالتحفيز على التفكير، وجمع ذلك في كتابه “فكر مرة أخرى: قوة معرفة ما لا تعرفه” بأنه أخطأ في خوض جدال مع صديق عنيد، رفض تطعيم أفراد أسرته بلقاح كورونا!

ويقول إنه كان حريصا على سلامة أفراد أسرة ذلك الصديق أكثر من الدفاع عن فائدة اللقاحات، لكنه شعر بالإرهاق والاستياء في نهاية نقاش مستمر. لذلك عقد العزم على الحفاظ على صداقته، وتعهد أمام نفسه بعدم التحدث مع الصديق عن اللقاحات مرة أخرى.

يمكن إيجاد مقابل لهذا المثال في النقاشات السياسية العقيمة التي ترتفع حدتها عندما يجلس اللبنانيون مع بعضهم أو العراقيون والليبيون… هناك نقاش لا معنى له بين الخليجيين على تويتر، إن لم يكن عبثا بدأ يتطور إلى صراخ على منصة كلوب هاوس.

غالبا ما تدفعنا الغريزة إلى الاستمرار في نقاش شخص مغلق الذهن، وقد يتحول الأمر إلى هجوم يجد مقاومة مقابلة وهذا ما يسميه غرانت بـ”المتنمر المنطقي”. بينما وبمجرد العودة إلى الذات في لحظة استرخاء هادئة نكتشف الجهد الخاسر الذي بذلناه في النقاش المندفع.

عندما نحاول تغيير رأي شخص ما، فإن دافعنا في المقام الأول هو الوعظ بصواب ما نعتقد به حيال اعتقاد الآخر الخاطئ. إلا أن غالبية التجارب التي شخصها علماء النفس تظهر أن هذا النوع من الوعظ عادة ما يأتي بنتائج عكسية، وما لا يؤثر على الناس قد يقوي معتقداتهم. ويجعلهم أكثر استعدادا لدحض البدائل.

لذلك يلجأ علماء النفس إلى المقابلات التحفيزية، فبدلاً من محاولة إجبار الآخرين على التغيير، من الأفضل مساعدتهم في العثور على دافعهم الجوهري للتغيير. بالطبع هذا يحدث في العيادات النفسية مع المرضى. لكن حياتنا تحولت اليوم إلى ميدان رقمي شاسع تلعب فيه جيوش من الحمقى. لذلك يكون الصمت حلا بدلا من العيش في عيادة نفسية تهدف إلى إصلاح مغلقي الأذهان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى