نور الحبشي تستعرض العلاقات بين الكويت وأميركا أكاديمياً وموضوعياً
النشرة الدولية –
الجريدة الكويتية – حمزة عليان –
لم تحظَ العلاقات الكويتية – الأميركية بما تستحق من الدراسة والبحث، إلى أن جاء كتاب د. نور الحبشي ليسد هذا الفراغ، باعتباره عملاً غير مسبوق، ولم يخض أحد غمار النقاش والكتابة في هذا الموضوع من قبل.
خرج كتاب العلاقات الكويتية – الأميركية وفق المعايير الأكاديمية والبحث العلمي، وحرصت فيه أستاذة التاريخ في جامعة الكويت، د. نور الحبشي، على الالتزام بالموضوعية.
يغوص الكتاب في تاريخ هذه العلاقة من نواحيها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ نشأتها ومع البدايات الأولى للوجود الأميركي في منطقة الخليج العربي، بدءاً من وصول أول رحّالة أميركي إلى الكويت عام 1868، وصولاً إلى يوم تحرير الكويت عام 1991 وعودة الشرعية بعد الاحتلال العراقي لها.
آثرت د. الحبشي التوقف عند عام 1991، لأنّ سياق العلاقات بين البلدين اختلف كثيراً وأخذ مسارات أخرى وأبعاداً مازالت تأثيراتها ماثلة للعيان.
تفردت العلاقات الكويتية – الأميركية عن غيرها، وعلى الرغم من أن الأهداف والمصالح لكل دولة كانت حاضرة بقوة، فإنها تبقى في إطار خاص مختلف تماماً عن العلاقات الكويتية – البريطانية، لكون الكويت قانونياً تحت الحماية البريطانية، وهذا تطلّب من الأميركيين طريقة أخرى في الحضور على الساحة الخليجية والتعامل بطريقة بعيدة عن المعاهدات.
التوازن والدبلوماسية
تكمن أهمية الكتاب في أنه تطرّق لمرحلة لم يلتفت إليها أحد من الباحثين أو المهتمين بتاريخ الكويت الحديث المعاصر، وأنّه تناول علاقة الكويت مع دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية.
أعطى الكتاب صورة حقيقية عن نموذج من العلاقات الدولية الفريدة من نوعها، بين بلد صغير الحجم، لكنّه كبير وناجح في فنّ سياسة التوازن والدبلوماسية، فقد أبدعت فيها الكويت، على حد تعبير د. الحبشي، ومارستها بكل اقتدار في مرحلة توترات دولية كبيرة وهائلة، وتغيير في خريطة المنطقة بأسرها.
تمت الاستعانة بالوثائق البريطانية والأميركية المنشورة وغير المنشورة، نظرا لأهميتها، إضافة إلى عدد من المذكرات الشخصية والدراسات والصحف والبحوث.
وثائق غير منشورة
ضمّ الكتاب بين دفتيه 34 وثيقة وصورة عززت فيه القيمة المعرفية والتوثيقية، ومن بينها وثائق تنشر لأول مرة، إضافة إلى عدد لا بأس به من الصحف الكويتية والأميركية، ومن بينها لقاء الرئيس الأميركي رونالد ريغان مع رئيس تحرير جريدة القبس وقتها، الأستاذ محمد جاسم الصقر، عام 1987، الذي أجراه في البيت الأبيض، وكان ذلك في عزّ الحرب العراقية – الإيرانية، وقائمة بأسماء وأعضاء البعثة الدبلوماسية الأميركية في الكويت منذ بداية العلاقات الدبلوماسية بينهما، وأسماء ناقلات النفط الكويتية القديمة والجديدة، بعد أن أعطيت أسماء أميركية ورُفع العلم الأميركي عليها أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، وتعرّض ناقلات النفط الكويتية للاعتداءات.
تنافس وترقّب بريطاني
توضّح د. الحبشي أن طبيعة العلاقات التي نشأت بين البلدين كانت محلّ تنافس وترقّب من بريطانيا، لكونها ترتبط مع الكويت باتفاقية حماية موقّعة منذ عام 1899، إلّا أن الأمر اختلف بعد الاستقلال عام 1961.
وتذكر المؤلفة كيف أن الكويتيين مازالوا يستذكرون الإرسالية الأميركية ونشاطها الثقافي والاجتماعي والصداقات التي عقدت مع أطباء الإرسالية، وعند الحديث عن النفط، فإن لغة المصالح والدخول إليها من خلال الصراع مع بريطانيا بشأن أسبقية توقيع اتفاقيات الامتياز مع حاكم الكويت، كانت هي الفيصل، وإن كان السخاء الأميركي فيه كثيرا، إلا أنّ الإنكليز فرضوا أنفسهم من خلال الواقع، عندما تم وضع الكويت آنذاك تحت الحماية البريطانية.
العصر الذهبي
اعتبرت الكاتبة أن العصر الذهبي في العلاقات بين الكويت وواشنطن كان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أخذت منحى تصاعديا، لأنّ وجودها تم بواسطة دبلوماسية هادئة وذكية، وبتوازن متقن مع الحليف البريطاني، واستفاد الأميركيون من عراقة الوجود الإنكليزي في المنطقة، وتعلّموا ألا يكرروا أخطاء الإنكليز، فلم تدخل المنطقة في حروب، وكانوا مدينين لفكر ساستهم ومبادئهم التي أطلقوها بعد الحرب العالمية الثانية.
تطورت العلاقات في الستينيات، وتميزت بالتفاهم وتنسيق المواقف، لا سيما الموقف الأميركي من استقلال الكويت، ومطالبة عبدالكريم قاسم بها عام 1961.
كانت الكويت ثابتة في سياستها الخارجية، خاصة تجاه المدّ القومي العروبي ومساندة أشقائها.. وهذا ما جعلها لاعباً دولياً منذ زمن مبكر في مجال الوساطة، كما أثبتت انتماءها العربي وبصلابة.
جاءت حقبة السبعينيات استثنائية، فكانت عبارة عن أحداث عاصفة في المنطقة والعالم، إلا أن الإطار العام للعلاقات كان يحظى بقدر كبير من التفاهم.
ثم كانت فترة الثمانينيات عندما لعبت الكويت دوراً سياسياً في عملية توازن القوى الدولي بين الكتلتين الشرقية والغربية، إلى أن حلّت التسعينيات من القرن الماضي، لتحمل في أعماقها تطوراً لافتا وإن كان عمره لا يتجاوز العامين، إلا أنه أكد صداقة عميقة ونهجا جديدا لواشنطن في الريادة العالمية.
وأعطت مصداقية شراكتها الحقيقية مع أصدقائها الإقليميين من دول المنطقة، وتحديداً عند تحرير الكويت عام 1991، وجهاً آخر للوجود الأميركي في مياه الخليج العربي.
الصراع الأميركي – البريطاني على نفط الكويت
بعد التمهيد الذي تناول الجذور التاريخية للعلاقات السياسية، منذ وصول الرحّالة الأميركي لوشر عام 1868 إلى الكويت، وتأثير الشيخ خزعل على عودة الأميركيين إلى المشهد الكويتي إلى مرحلة الإرسالية الأميركية، وحرض حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر عام 1942.
احتوى الكتاب على 6 فصول، الأول بعنوان الصراع البريطاني – الأميركي على النفط الكويتي، وخلاصته أن أميركا بزغ نجمها بعد الحرب العالمية الثانية كلاعب دولي جديد مع أفول نجم بريطانيا، ودور النفط وأهميته للمنظومة الاقتصادية بين الدولتين، ومحاولتها الضغط بكل الطرق الدبلوماسية ليكون لها موطئ قدم نفطية في الكويت، يدعمها في ذلك كيانها النفطي والعقود الموقّعة باسم شركاتها في البحرين والسعودية.
عقود من العلاقات
تمحور عقد الخمسينيات حول مسألة التمثيل القنصلي الأميركي في الكويت، وتطور العلاقات الاقتصادية، واتفاقية المناصفة، وموقف واشنطن من حلفي بغداد والاتحاد الهاشمي، وتنتهي د. الحبشي للقول إن الشيخ عبدالله السالم أدار تلك المرحلة بالكثير من التوازن الذكي، فاستطاع – وهو تحت الحماية البريطانية – أن يتخذ قراراً تاريخياً بامتياز المنطقة المحايدة ومناصفة الأرباح، أو تعامله بحسّ قومي مع أزمة السويس عام 1956، ونجح السالم في رسم خط مميّز للعلاقات الكويتية – الأميركية، مختلف عن النهج البريطاني.
وما بين السيادة وتأثيرات حرب الخامس من يونيو 1967، رصدت الباحثة في مرحلة الستينيات موقف واشنطن من الاستقلال وبعد اغتيال الرئيس جون كنيدي عام 1963، وحرب يونيو 1967 وتأثيرها المهم على العلاقات التي “اتسمت بالفتور”، وتوجت بزيارة الأمير الراحل الشيخ صباح السالم إلى أميركا عام 1968.
كانت فترة السبعينيات عاصفة بالأحداث، التي ترافقت مع الانسحاب البريطاني من الخليج والفراغ الاستراتيجي المرافق لهذا الحدث والهاجس الذي ترك آثاره على الكويت والنتائج التي ترتبت على حرب أكتوبر 1973 والموقف الكويتي المبدئي الذي التزمت به تجاه القضية الفلسطينية، تبع ذلك قيام الثورة الإسلامية في إيران ومغادرة الشاه بلاده والغزو السوفياتي لأفغانستان، وكل ذلك ارتبط بالرؤية الأميركية تجاه الأمن الخليجي.
ومن مبدأ كارتر 1980 والمبادرة السوفياتية، وصولاً لانتهاء الحرب العراقية – الإيرانية وعهد رونالد ريغان والآثار المدمرة التي تعرّضت لها الكويت في حرب السنوات الثماني، وما شهدته من حوادث إرهابية إلى تأسيس مجلس التعاون الخليجي، كانت الثمانينيات سنوات استثنائية للكويت، وهي تتعامل مع دولة عظمى، ولعلّ الوثائق الأميركية هنا تؤكد أن الكويت تحاول لعب دور استثنائي في التوازن الدولي، من خلال رفع الأعلام على ناقلاتها النفطية.
وجاء عقد التسعينيات وما حمله من تطورات تمثّلت بالاحتلال العراقي عام 1990، وما سبقه من أحداث، وموقف أميركي من هذا الاحتلال وخروج السفير الأميركي وأعضاء السفارة من الكويت، ودورها العظيم في عملية التحرير عام 1991.
واستنتجت الحبشي أن العلاقات كانت “تعاونا وثقة” وشراكة أمنية، وأن البلدين عانيا من العراق، وإن كانت واشنطن أقل وطأة من الكويت.
في هذا الحدث كانت الدبلوماسية الأميركية حاضرة بقوة بانتهاجها الخطين الدبلوماسي والعسكري، والتأكيد على النهج الجديد في الريادة العالمية والدعم لشركائها وأصدقائها في الخليج العربي.