ماذا تعرف عن المادة 153 من قانون الجزاء الكويتي؟* سارة المكيمي

النشرة الدولية –

لكي نبيّن مدى كارثية هذه المادة، يجب علينا أولا التعريف بالمصطلحات المتعلقة بها، أولها “جريمة الشرف” التي أحرص دائما على تحويلها الى “جريمة القرف”!

جريمة الشرف هي القتل بدعوى الشرف يرتكبها غالبا أحد الأعضاء الذكور في أسرة ما بحق أنثى أو مجموعة من الإناث، حيث يقدم الجاني على القتل لأسباب في الغالب تكون ظنّية تتعلق بشكوك حول ارتكاب الأنثى فعلا مُخلَّا بالأخلاق بنظر الجاني.

ويزعم مرتكبو هذه الجرائم أن جريمتهم حصلت من أجل “الحفاظ على شرف العائلة”، أو ما يوصف في أوساط قبلية بعملية “غسل العار”، سميت بهذا الاسم كنوع من التمييز لها عن الجرائم الأخرى، عبر ربط “الجريمة” بالسبب الذي يدعي القتلة أنهم قتلوا من أجله: “الشرف”.

في الغرب، هناك مسمى أو مفهوم مشابه لجرائم الشرف اسمه Crimes of Passion وسأترجمه لـ”جرائم الشغف”، وهي جرائم عنف غالبا ما تكون جريمة قتل يرتكبها شخص بسبب اندفاع قوي ومفاجئ كالغضب العارم، وهي جريمة ظرفية من أهم شروطها عدم التخطيط والترصد، أحكامها الجزائية تكون مخففة من جريمة قتل من الدرجة الأولى الى الثانية، وهذا التخفف بالجزاء ولا تفرقة فيه سواء كان الجاني رجلا أو امرأة، كما أن عوامل مثل المفاجأة والصدمة المؤدية الى طغيان العاطفة وزوال العقل والتعقل عوامل ضرورية الإثبات في جريمة الشغف ولا تصح بدونها.

أما جريمة الشرف فعادة تكون موجهة نحو النساء، وتكون أسبابها متفاوتة وليست بالضرورة واقعة زنى بائنة ومثبتة، كوجودها في غرفة مع رجل لا يحل لها وليس بالضرورة في حالة زنى، أو خروجها معه، أو حتى الحديث معه بالهاتف! يتمدد مفهوم جرائم الشرف في بلداننا بصورة مطاطية خطيرة، حيث يصبح كل ما يثير غيرة الرجل على أهل بيته من نساء سواء كانت زوجة أو بنتا أو أختا، من الممكن أن يعتبرها القانون جريمة شرف تستحق تخفيف الجزاء. ولابد من ذكر أن الأم لم تكن ضمن الإناث المشمولين بهذا القانون ولكن أضافها المشرع لاحقا ليعطي تخفيفا جزائيا لقاتل أمه إذا فاجأها بموقف لا يعجبه!

المادة 153 تقول: “من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنى، أو فاجأ ابنته أو أمه أو أخته حال تلبسها بمواقعة رجل لها، وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو يواقعها، أو قتلهما معا، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تتجاوز 3 آلاف روبية (45 دولارا) أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

في النص مغالطة كبيرة جدا تنافي السبب من وضع القانون أساسا! “من فاجأ زوجته” تختلف اختلافا تاما عن “من تفاجأ بزوجته”، فمن الممكن جدا أن يكون الزوج عالماً بعلاقة قائمة بين زوجته، ابنته، أخته أمه مع رجل! فيترصد لها ويفاجئها ليقتلها! إذاً أين الغضب الاندفاعي العارم الذي طغى على عقله؟ وكيف يثبت هذا الجاني أنه تفاجأ بهم من الأساس؟ وكيف يثبت أنهم كانوا في واقعة زنى كاملة كما حددها الشرع؟ وأين الشهود الأربعة الذين رأوا عملية الإيلاج؟ وماذا عن شرط الإثبات بظهور الحمل؟ وماذا عن شرط انتفاء الشبهة وانتفاء دعوى الغصب والإكراه؟ كل ما سبق من شروط عادة لا تتوافر في قتل الشرف! كيف يتم إثبات أن الجريمة ليست كيدية؟ وأن الجاني لم يستغل هذه المادة المشينة، ليخلق مسرحية ظرفية يدفع فيها الأنثى لمكان وزمان مخطط لهما مسبقا مع رجل ما ليقتلهما الزوج أو الأخ أو الابن ويخرج بأقل قدر من العقاب والخسائر مثلما حدث في مصر مؤخرا؟!

هذه المادة ظالمة جائرة تستغل بصورة إجرامية خطيرة، يستغلها المرضى وضعاف النفوس للانتقام والكيد، كما أنها مؤشر صارخ للتمييز ضد النساء، حيث لا تخفف عقوبة المرأة، بل من الممكن أن تجازى بالإعدام إن حدث وتفاجأت بخيانة زوجها ولا تخفيف لها باسم الشرف! أين نحن من الدولة المدنية؟ ألسنا في دولة تحكمها القوانين؟ من أعطى الحق للذكر لإزهاق روح والخروج بأقل قدر من العقاب باسم الشرف؟ المادة 153 مادة مشينة يجب أن تُلغى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button