لبنان في غياب مرجعية… باستثناء “حزب الله”* خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

يحدث في لبنان أن رئيس الجمهورية ميشال عون لا يهمّه تشكيل حكومة بمقدار ما يهمّه مستقبل صهره جبران باسيل. صهر رئيس الجمهورية ومستقبله السياسي أهمّ بكثير من لبنان، علما أنّ لا مستقبل سياسيا للصهر الذي فرضت عليه عقوبات أميركية بموجب قانون ماغنيتسكي المرتبط بالفساد.

كلّ ما في الأمر أن جبران باسيل أوصل ميشال عون إلى قصر بعبدا عن طريق “حزب الله”، ولا أحد آخر غير الحزب الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. من هذا المنطلق، منطلق رفض تشكيل حكومة لا تكون خاتما في أصبع الحزب، باشر “التيّار الوطني الحر” (التيّار العوني) الذي يرأسه جبران باسيل التصعيد. بات الهدف واضحا كلّ الوضوح. يتمثّل الهدف في حمل رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري على الاعتذار عن عدم قدرته على تشكيل حكومة بغية الإفساح في المجال أمام تولي شخصية سنّية أخرى هذه المهمّة بمباركة من “حزب الله”.

لا يريد “حزب الله” حكومة لسبب في غاية البساطة يعود إلى أنّ لبنان، بالنسبة إليه، ليس سوى ورقة إيرانية. هناك في الوقت الحاضر تصعيد إيراني على كلّ الجبهات، خصوصا في اليمن والعراق وسوريا. لا يوجد سبب كي يكون لبنان استثناء، خصوصا أن رئيس الجمهورية وصهره على استعداد لتوفير الغطاء المسيحي الذي يطلبه الحزب.

من هنا، لا حاجة إلى تفسيرات وتأويلات لما يجري في لبنان بحثا عن أسباب الانهيار الذي حصل في بلد يحكمه “حزب الله”.

بعيدا عن اللفّ والدوران، ليس هناك ما يدعو إلى التفاؤل لبنانيا. استطاع “حزب الله” تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في لبنان وهو في طريقه إلى تغيير طبيعة كلّ المجتمع اللبناني في ظلّ رئيس للجمهورية لم يظهر، أقلّه إلى الآن، قدرة استيعاب لمعطيات في غاية الخطورة تجعل مصير البلد في مهبّ الريح.

من بين هذه المعطيات انهيار النظام المصرفي اللبناني، أي انهيار الاقتصاد بعدما صمد النظام المصرفي كلّ هذه السنوات الطويلة وتحوّل إلى العمود الفقري للاقتصاد. لا يوجد وعي لواقع يتمثّل في النتائج التي ستترتب على انهيار النظام المصرفي. هل يمكن تخيّل لبنان من دون مصارف مع ما يعنيه ذلك من زوال للثقة في قطاع كان من بين القطاعات التي قام عليها لبنان؟

لم يتجرّأ رئيس الجمهورية ولا صهره على النزول إلى الأحياء المسيحية في بيروت من أجل الاختلاط بالمواطنين بعد تفجير مرفأ بيروت. معنى ذلك أن ميشال عون وجبران باسيل في عزلة عن الشارع المسيحي ولا يريدان معرفة ما يدور فيه حقيقة ولا شعور الناس تجاههما.

يعتبر انهيار النظام المصرفي اللبناني وتفجير مرفأ بيروت الذي دمّر قسما كبيرا من العاصمة بمثابة دليلين على أنّه لم تعد هناك مرجعية سياسية لبنانية مهتمّة فعلا بمستقبل البلد وأبنائه. لا حاجة طبعا إلى الحديث عن كل الانهيارات اللبنانية دفعة واحدة بدءا بالمدرسة والجامعة وصولا إلى القطاع الطبّي، مرورا بالسياحة والخدمات والإعلام والخدمات. صار البلد من دون مرجعية. المرجعية الوحيدة وهي “حزب الله” مهتمة بما يحل بإيران. كلّ ما تبقّى تفاصيل.

كان لافتا زيارة وزيرة العدل اللبنانية لباريس للاطمئنان على المواطن اللبناني جورج عبدالله الذي يمضي عقوبة في السجن بعد إدانته باغتيال دبلوماسي أميركي في ثمانينات القرن الماضي. قد يكون جورج عبدالله بريئا، كما قد يكون مذنبا، لكنّ السؤال ماذا عن مصير اللبنانيين المحتجزين في السجون السورية؟ لماذا لا يذهب وزير الصحّة إلى دمشق للسؤال عن هؤلاء بدل ذلك الاستعراض المضحك المبكي عن هبة من مادة الأوكسيجين قدّمها بشّار الأسد إلى لبنان. من يحتاج إلى مثل هذا الأوكسيجين هم المساجين اللبنانيون في سوريا. المفارقة أن بين هؤلاء محسوبين على ميشال عون وجماعته!

كان أفضل ردّ على سعي ميشال عون وجبران باسيل إلى حشر سعد الحريري في زاوية من أجل حمله على الاعتذار، موقف الحريري نفسه. أكد الأخير أنّ لا تراجع عن تشكيل حكومة وفق مواصفات معروفة سبق لرئيس الجمهورية وصهره أن وافقا عليها في الماضي. حصل ذلك عندما جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان مرتين بعد تفجير مرفأ بيروت. على خلاف رئيس الجمهورية اللبنانية، نزل ماكرون إلى الشارع وتحدّث إلى الناس واستمع إلى همومهم. ما اتفق عليه وقتذاك كان تشكيل حكومة لبنانية لا تضمّ سوى اختصاصيين.

من الواضح أن لبنان في حال يرثى لها بعدما صار مجرّد ورقة إيرانية. ليس معروفا إلى أي حدّ ستكون درجة الانهيار في وقت يعتقد “حزب الله” أن إيران ستتمكن من التخلّص من العقوبات الأميركية وأن الاتفاق الذي وقعته مع الصين كفيل بإعادة الحياة إلى اقتصادها. نعم، وقعت إيران اتفاقا إستراتيجيا في غاية الأهمّية مع الصين التي هي في حاجة إلى نفط وغاز إيرانيين. هل يعني ذلك الخلاص بالنسبة إلى “الجمهورية الإسلاميّة”؟ هل يعني ذلك أن محور الممانعة سينتعش وينتعش معه لبنان وسيتمكن “حزب الله” من إيصال جبران باسيل إلى موقع رئيس الجمهورية كما فعل مع ميشال عون؟ هذه رهانات لا معنى لها في عالمنا هذا حيث للصين مصالح خاصة بها تسمح لها بفرض شروطها على إيران وليس العكس.

المؤسف أنّه من الآن إلى انتهاء عهد ميشال عون في خريف السنة 2022، لن يعود هناك أثر للبنان. لعلّ أخطر ما يجري حاليا هو تلك التحوّلات التي تصيب المجتمع اللبناني. يهرب اللبنانيون القادرون من الفقر ومن غياب أي نشاط اقتصادي. لم يعد لدى الشاب اللبناني ما يفعله في لبنان. لم تعد العائلات اللبنانية قادرة على توفير التعليم لأبنائها. لا وجود لما هو أهمّ من التعليم في لبنان.

كلّ ما يمكن قوله إنّ “حزب الله” انتصر على لبنان واللبنانيين بعدما أفقرهم وحوّل بيروت إلى ما يشبه ضاحية فقيرة من ضواحي طهران. هذا لا يمنع من طرح سؤال واحد: ماذا سيفعل “حزب الله” بهذا الانتصار الذي عمل من أجله طويلا؟ أين سيوظُفه؟ كيف يمكن توظيفه في مصلحة المشروع التوسّعي الإيراني؟ هل سيبقى الحزب في المستقبل في حاجة إلى ميشال عون وجبران باسيل بعدما حقّق ما يريد تحقيقه… أي السيطرة على لبنان؟

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى