نوال السعداوي.. عاصفة رحلت بهدوء!* رجا طلب

النشرة الدولية –

رحلت بهدوء على وقع حظر التجول والكورونا وطغيان العتمة والتيه، لا أعتقد أنها كانت تتمنى أن تموت على هذا النحو من التزاحم الكبير في أعداد الموتى وتزايد منسوب الكآبة وقدرية الاستسلام لكل ما هو مرهق ومضن في زمن اضمحل فيه الأمل وتصاعدت فيه صرخات الاستغاثة بحثا عن أمل يطبق فوق صدر البشرية كالكابوس.

 

نوال السعداوي واحدة من النساء المعدودات اللاتي انتصرن على ذواتهن ونجحن في خلق عالمهن الخاص، إنه العالم الذي بنته نوال السعداوي في صيرورة صراع لم يتوقف مع عالم آخر نقيض لها في كل شيء تقريبا، نقيض لها في فهم الحرية والأنوثة وفي فهم الرجولة والكرامة وفي شكل الحب والكراهية وحتى «في طعم النشوة والشغف»، صارعت عالما بأكمله بمفردها بلا حزب او سلطة او أدوات او جلاوزة أو معتقلات أو سجون، صارعته بالجرأة الٌمختلفُ عليها وبها، وبالراي الذي كسر جرار الخرافة المعتقة، وهشم خزف الأساطير والمعتقدات النمطية والقيم التجارية وهز أركان المعتقدات المغلفة بالدولار والدينار والفتاوى الداعشية التي تبيح الموت باسم التعبد والورع.

 

نوال السعداوي عاشت طيلة حياتها كطبيبة وأستاذة جامعية وفيلسوفة ومفكرة عاشت في حقل من الألغام، حقل دخلته بإرادتها يمتد من زاوية الجنس والدين حتى ركن السلطة والحرية، وخلال تلك السنوات تنقلت بين أروقة الجامعات وأقبية المعتقلات وعيادات المستشفيات دون أن يكون هدفها هو الحصول على جائزة نوبل أو غيرها من الجوائز أو الاستحواذ على البعض من تلك الألقاب الزائفة المتسترة بالدفاع عن الحريات أو صون الكرامات أو تلك المناصب والمواقع الفخرية الفارغة من المضمون والمرصعة بالعار.

 

يليق بنوال السعداوي وصف امراة من نار، امراة كرست حياتها من أجل الحرية وبخاصة حرية المرأة في عالمنا العربي – الإسلامي وعاشت وماتت وهي تعتقد أن حرية المراة وحقوقها الدستورية ومساواتها بالرجل هي معيار التحضر والتقدم عند أي أمة من الأمم وليس أي شيء مادي آخر، ومع ذلك خرجت من الحياة وهي متهمة بالكفر والإلحاد والزندقة وهي تهم وضعتها لمرات عديدة في مرمى الدواعش ممن يلبسون البدلات الفاخرة وربطات العنق الأنيقة الذين كادوا أن يقتلوها بالرد عليها بتعميم الجهل وتسريع وتيرة انتشاره.

 

اعتقلها نظام أنور السادات عام 1981 وبقرار من الرئيس شخصيا وذلك لمغازلة المتشددين الإسلاميين الذين اغتالوه لاحقا في حادثة المنصة الشهيرة، وهي التي كانت تصف هذا النوع من التدين «الداعشي» بأنه كما الغول لا يشبع ولا يقف عند حد أو سقف.

 

كان كتابها المثير للجدل «المراة والجنس» هو الصورة التي ارتسمت في أذهان من يقرأون في مصر وفي العالم العربي مطلع السبعينيات من القرن الماضي، ففي ذلك الكتاب جرى الحديث عن العذرية والذكورية ومعنى الشرف والرجولة وهي عناوين لم يجر الاتفاق على مفهومها منذ أن أثارتها السعداوي.

 

عاشت في عالم من الصخب ورحلت بهدوء بفعل الكورونا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى