انحناء في مؤشر السعادة* كرم نعمة

النشرة الدولية –

لا يمكن للباحثين في معهد “غالوب” أن يزعموا أن الأمور على ما يرام وهم يطلقون تقريرهم السنوي عن مؤشر السعادة.

فليس كل الفنلنديين الذين تم اختيار بلدهم للمرة الرابعة كأسعد بلد في العالم، ينظرون بعين الرضا إلى تقرير الأمم المتحدة الأخير عن السعادة. قال أحدهم “عندما سمعت ذلك للمرة الأولى، انفجرت ضاحكا، وأعتقد أنني لم أكن الوحيد”.

هذا الفنلندي ضحك متهكما على التقرير وليس سعيدا، مع أنني لا أشك بأنه لا يعيش معاناة أهلنا في العالم العربي.

مهما يكن من أمر فإن معدي الدراسة التي ترعاها الأمم المتحدة منذ عام 2012، يدعون بأنهم لم يأتوا بنتائج مؤشر السعادة من شاشات كمبيوتراتهم، بل من استبيان يوزع على سكان 149 دولة يجيبون فيه على أسئلة متعلقة بدرجة السعادة الشخصية ومؤشرات التضامن والحرية الفردية والفساد.

لكن مهلا، هل يمكن لأحد أن يصدق أن مؤشر السعادة لم يحن ظهره مثل جميع الناس في العالم تحت ضغط صدمة الوباء.

أثار استغرابي أحد أفضل كتاب صحيفة فايننشيال تايمز وهو يعد أسبابا غير منظورة للسعادة في الحجر المنزلي في عام كورونا، عندما يرى أن من أسباب السعادة أن الكولسترول انخفض لدى بعض الناس بعد أن توقفوا عن تناول الطعام في الخارج. كما أن الحجر المنزلي ساعدهم على زيادة مدخراتهم أعلى بكثير مما كان قبل الوباء!

بدا لي هذا الكاتب أنه يدور على فلسفة فارغة وهو يبحث عن مسوغات سعادة سنة كورونا. بينما نعاني جميعا من صدمة الوباء إلى درجة صارت بيوتنا تتذمر من وجودنا الدائم فيها. لقد انقلبت معادلة الأمس من الانزعاج من الجلوس الدائم في المنزل إلى عدم قدرة منازلنا على تحمل وجودنا الدائم فيها. على الأقل كنا نعطي بيوتنا فسحة من الراحة ونحن نغادرها لساعات يوميا.

مؤشر السعادة هذا العام بدا مفرطا بعدم الواقعية وهو يحمل أخبارا جيدة عن سعادة الدول. بينما العالم برمته يعيش شهورا كئيبة لم تمر عليه خلال قرن كامل. الأمر الذي عرّضه للانتقاد الشديد والتهكم. وجعل من جيفري ساكس أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا، وهو أحد معدي تقرير السعادة السنوية، إلى التراجع خطوة إلى الوراء بالقول “لا أريد أن أترك انطباعا بأن كل شيء على ما يرام، لأنه ليس كذلك”.

التكيف مع أوضاعنا الحالية تحت الوباء لا يعني أننا سعداء، لأننا ببساطة لا يمكن أن نشق طريقنا إلى المستقبل بالتذمر والانكفاء، وهذا سبب كاف يجعل رسم الأمم المتحدة لمؤشر السعادة محرفا وغير مبال للضغوط التي نعيشها، إن لم يؤشر إلى الاتجاه الخاطئ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button