الدب الصيني في مياه الخليج العربي… والباقي تفاصيل* حمزة عليان

النشرة الدولية –

“النهار”

 

نزعت طهران عن “اتفاقية الشراكة الاستراتيجية” مع #الصين، صفة المعاهدة للتهرّب من نشر تفاصيلها، وما احتوته من مضامين باعتبار أن السرية فيها مخالفة للدستور ال#إيراني والقوانين الدولية.

 

سبب التكتم يعود إلى أن السماح للدب الصيني بالنفاذ إلى قواعد عسكرية في منطقة الخليج العربي، ستفتح أبواب المواجهة مع الكبار على مصاريعها.

والأهم من ذلك أن الاتفاقية التي بدأ التفاوض عليها منذ خمس سنوات عززت من النفوذ الصيني الساعي إلى التمدد في الشرق الأوسط، عبر مشروعها الإقتصادي الساعية من خلاله إلى تثبيت أقدامها بعنوان “الحزام والطريق”، وهي الخطة الضخمة لإقامة مشاريع بنى تحتية في آسيا وأوروبا وأفريقيا.

 

نقطتان أساسيتان حازت عليهما الصين من وراء الاتفاقية، الأولى تطوير جزيرتي “كيش وقشم” للسياح الصينيين بطريقة تمنحها السيطرة الكاملة عليها وتجعلها من المناطق التجارية الحرة على غرار منطقة “جبل علي” في إمارة دبي ولا تنطبق عليها قوانين الشريعة الإسلامية، والثانية بناء قاعدة عسكرية مشتركة تطل على مياه الخليج العربي.

الاتفاقية من شأنها منح بيجينغ حصة في صناعة النفط الإيرانية، مما يضمن سوقاً لمنتجاتها الخام والمكررة، مقابل الوصول إلى شراكة صينية تبدأ بالطرق والموانئ وتمتد إلى الاتصالات والطاقة النووية.

 

جحم الاتفاقية 300 مليار دولار ولمدة 25 عاماً ستعطي طهران فرصة لإنقاذ اقتصادها المنهار، سواء رفعت العقوبات الأميركية عنها والأوروبية أم بقيت، ففي الحالتين ستكون لديها نافذة مع دولة عظمى بحجم الصين تحررها من الحصار الصارم والمؤلم جداً منذ سنوات وتضمن لها توريد مليون برميل من النفط يومياً ودفع ثمنه بالعملة الصينية مع السماح لطهران بشراء مستودعات على الأراضي الصينية وتخزين النفط وإعادة تصديره بدون ضرائب.

هناك تحوف كبير لدى الصينيين من التوجه نحو الشركات الأوروبية وعقد صفقات ضخمة معها، كما حدث بعد الاتفاق النووي عام 2015 أن يتكرر الآن في حال نجاح المفاوضات الجارية مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

 

وفي حسابات الربح والخسارة والتنافس الحاد على مراكز النفوذ في الخليج وآسيا، نجحت طهران بإبعاد تركيا أن تكون بديلاً لها باستخدام موانئها لنقل البضائع الصينية عبر ممر طاجيكستان – أوزبكستان وتركمانستان مروراً ببحر قزوين ثم أذربيجان وتركيا وصولاً إلى حدود البلدان الأوروبية.

في المقابل، حصلت الصين على امتيازات واسعة من شأنها تبديل خريطة “طريق الحرير” ليمر عبر إيران بدل بعض بلدان الخليج العربي والعراق والذي يراهن على ما سيوفره له ميناء الفاو الكبير مستقبلاً للتجارة والنقل البحري وكممر بديل من قناة السويس.

من الامتيازات التي حصلت عليها الصين، مد خط سكة حديد (قطار بسرعة 400 كلم في الساعة) وطريق دولي من مينائي بندر عباس وشابهار الإيراني إلى البحر المتوسط وعبر سورية والعراق براً.

 

الجانب العسكري يعطي الصين القدرة على بناء قواعد عسكرية مشتركة في الخليج وبحر عمان والمحيط الهندي واستفادة السفن العسكرية من الموانئ الإيرانية، والأهم من ذلك السماح لبيجينغ بإنشاء معامل إنتاج أسلحة صينية على الأراضي الإيرانية وهو ما يعفيها من مشاكل قد تواجهها نتيجة العقوبات الأميركية.

البنود السرية في صفقة “ربع القرن” سبق لـ “الجريدة” الكويتية نشرها قبل عام تقريبا بخلاف ما نشرته “النيويورك تايمز”، وتداولت الملف المكون من 18 صفحة وسائل التواصل الإجتماعي وفيه كافة القضايا المتفق عليها من تأجير ونقل للتكنولوجيا والمصارف والتعاون النووي وبناء المصانع والاستثمارات في مجال الزراعة والصيد السمكي.

وبعيداً من فخ الديون الهائلة على “طريق الحرير” والذي أوقعت فيه الصين عدداً من الدول الأفريقية التي اقترضت منها، يبقى الحدث الصيني – الإيراني في ميزان التوجه شرقاً هو بيضة القبان.

 

الصين تريد موطئ “قدم ناعم” في مياه الخليج العربي وهذا ما حققته اليوم من خلال “المعاهدة” الطويلة المدى مع طهران، فالجيش الصيني خرج منذ فترة من القمقم وبدأ بالإنتشار في مناطق النزاعات الكبرى، بخاصة في الخليج والشرق الأوسط، فبعد القاعدة العسكرية في جيبوتي يعتمد الوجود العسكري الصيني على إنشاء مراكز دعم لوجستية.

الصين وبعد إنتزاعها “الريادة الإقتصادية” مقابل التفوق الأميركي على مستوى العالم تسعى لإثبات وجودها العسكري والسيطرة على أبرز الممرات الملاحية ومنها مضيق هرمز وباب المندب لحماية مصالحها التجارية.

 

الصين اليوم تقارع أميركا في مراكز نفوذها، والدائرة تتوسع من بحر الصين إلى المحيط الهندي وبحر العرب والخليج العربي خصوصاً بعد إعلانها عام 2015 عن إستراتيجيتها العسكرية الجديدة من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية حول العالم.

 

دخلت القوة العسكرية الصينية إلى مياه الخليج وهرمز والمحيط الهندي قبل سنتين في نقطة تحول استراتيجية عندما أجرت مناورات بحرية مشتركة مع الإيرانيين والروس، بعنوان “تأمين إحتياجاتها من النفط”! وبعدما حازت على أول منشأة دعم لوجستي “لجيش التحرير الشعبي” في الخارج عام 2016 وافتتحت عام 2017، وها هي اليوم تطل عليها من مياه الخليج العربي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button