ميركل تتقن فن الاعتذار السياسي* بوليتيكو
النشرة الدولية –
نجحت ميركل منذ وقت طويل في ترسيخ نفسها كسياسية تتقن فن التكتيك، وقد أثبتت في الأسبوع الماضي أنها لا تكف عن تعلّم الدروس رغم مرور 16 سنة على وجودها في السلطة، وفي الوقت نفسه بدأت تظهر عليها مؤشرات التعب وسوء التقدير.
واجهت زعيمة ألمانيا المُرهَقة بكل وضوح موقفاً صعباً في الأسبوع الماضي بسبب انتقادات السياسيين الألمان لقرارها الأخير في ملف كورونا، لكنها فاجأت خصومها بخطوة غير متوقعة، فصرّحت أنجيلا ميركل أمام البوندستاغ يوم الأربعاء الماضي: «أنا وحدي أتحمّل مسؤولية هذا الخطأ، لذا أطلب من الرأي العام ومنكم، زملائي الأعزاء، السماح».
اعتذرت ميركل على قرار اتخذته في وقتٍ سابق من الأسبوع الماضي ويقضي بإغلاق البلد خمسة أيام، خلال عيد الفصح، بهدف إبطاء انتشار فيروس كورونا (أُلغي القرار لاحقاً).
لكن لا أهمية لسبب الاعتذار، ففي اللحظة التي وقفت فيها ميركل وطلبت السماح، لم يعد سبب اعتذارها مهماً، وخلال اليوم التالي، طغى نبأ واحد على نشرات الأخبار: اعتذار ميركل الصادم، ثم شاركت المستشارة الألمانية في مقابلة نادرة ومباشرة على التلفزيون الحكومي الألماني لتقديم اعتذارها مجدداً.
رداً على هذه الخطوة، عبّر الجميع، من باريس إلى مدريد وبرلين، عن إعجابهم بها وامتنانهم لما حصل وطغى هذا الموقف على خصوم ميركل السياسيين أيضاً.
نجحت ميركل منذ وقت طويل في ترسيخ نفسها كسياسية تتقن فن التكتيك، وقد أثبتت في الأسبوع الماضي أنها لا تكف عن تعلّم الدروس رغم مرور 16 سنة على وجودها في السلطة، وفي الوقت نفسه، بدأت تظهر عليها مؤشرات التعب وسوء التقدير، وهو وضع حتمي بالنسبة إلى أي مسؤول يحارب في معترك السياسة منذ سنوات طويلة.
أرادت ميركل من خلال موقفها الأخير أن تتوصل إلى اتفاق بين 16 منطقة ألمانية تشهد انقسامات كبرى حول التدابير المناسبة للتعامل مع ما يعتبره الأطباء الموجة الثالثة من فيروس «كوفيد19»، إذ يشعر السكان أصلاً بسخط عارم من الضوابط المفروضة منذ أشهر، لذا من الطبيعي ألا يكون الإجماع على فرض ضوابط أخرى مهمة سهلة.
مع ذلك، نجحت ميركل في تحقيق هذا الهدف، فتجاوزت اقتراحاً بإغلاق البلد طوال خمسة أيام تزامناً مع عيد الفصح، وكانت تلك المدة أطول بقليل من أيام العطلة التقليدية التي يستفيد منها الألمان خلال العيد، لكن خبراء القانون والضرائب شككوا بتصنيف تلك الأيام الإضافية: هل ستكون عطلة رسمية أم «أيام راحة» شبيهة بأيام الآحاد؟
لكنّ استياء الألمان من الوضع القائم يتفوق على أي تفصيل بيروقراطي من هذا النوع. ثارت حفيظة عدد كبير من الألمان بسبب تباطؤ حملة التلقيح الحكومية والاشتباه بقضايا فساد متعلقة بشراء الأقنعة ومرتبطة بأسماء بارزة في الحزب اليميني الوسطي الذي تقوده ميركل، وكان احتمال ملازمة المنزل طوال خمسة أيام خلال عيد الفصح خياراً مبالغاً فيه في هذه الظروف.
تستحق ميركل الإشادة لأنها فهمت هذه الرسالة واتخذت الخطوة المناسبة، وقد يكون اعتذار السياسيين بهذه الطريقة العلنية حالة نادرة، لكن يجب ألا ينسى أحد أن ميركل ليس لديها ما تخسره، إذ من المنتظر أن ينتهي عهدها بحلول موعد الانتخابات المقبلة بعد ستة أشهر.
مقارنةً بعدد من أخطائها السابقة (مثل تعاملها مع اليونان خلال أزمة الديون، أو الأخطاء التي ارتكبتها في أوروبا على مستوى سياسة اللاجئين، وهي لم تعتذر عن هذه الإخفاقات يوماً)، يُعتبر قرار الإغلاق في عيد الفصح خطأً بسيطاً نسبياً.
لكن عبقرية ميركل تكمن في هذا المجال بالذات، فبعد مرور بضع سنوات، لن يتذكر الكثيرون السبب الذي دفعها إلى الاعتذار، بل سيتذكر الجميع أنها تحلّت بالشجاعة الكافية للوقوف علناً والاعتذار بعبارة صريحة ومتواضعة: «كنتُ مخطئة»!
لهذا السبب، ستبقى ميركل في ذاكرة الناس «الأعظم على الإطلاق» نظراً إلى قوة حدسها السياسي.