واقع الخدمات الصحية في الاردن… وهل يشترط ان يكون وزير الصحة طبيبا؟* د. دانيلا القرعان
النشرة الدولية –
ما يزال الملف الصحي على صفيح ساخن رغم التطورات التي شهدها، ويحتاج الى إجراءات عميقة، فكل الجراحات التجميلية التي أجراها وزراء الصحة السابقون خلال الاعوام الماضية لم تغير من الواقع شيئا، الأمر الذي يؤكد الحاجة الى إعادة النظر في فلسفة عمل الوزارة لمواجهة التحديات والمعيقات.
إن تبدل الشخوص لن يغير من الواقع شيئا إذا لم ترافقه إجراءات على أرض الواقع؛ لأن أزمة القطاع الصحي الحكومي كبيرة لجهة قدرة الطاقة الاستيعابية لديها، وما رافقها من أزمات تم تجاهلها بقصد أو بدون قصد من بينها جاهزية مستشفيات القطاع العام ونقص الكوادر الصحية فضلا عن الشح العالمي في اللقاحات ضد كورونا، ما يستوجب مواجهة الأزمة بخطة وطنية صحية مرتبطة بجدول زمني يمكنها ان تستوعب الازمات المتلاحقة التي يمر بها القطاع الصحي منذ اعوام.
يجب ان يكون هنالك إعادة لهيكلة القطاع الصحي ماليا وإداريا بما يضمن تقديم خدمات صحية افضل، واستقطاب كوادر طبية وإدارية متخصصة عن طريق تطوير برنامج وطني لبناء القدرات الذي يقدم تخصصات الاطباء، ورفع مستوى الكفاءة الادارية لمدراء المستشفيات، وضرورة تعزيز الشفافية والمساءلة، وتعزيز اللامركزية لتوفير الاستقلال المالي والاداري للمستشفيات، وتعزيز أسس الشراكة بين القطاع العام والخاص لمواجهة هذا الطلب المتزايد على القطاع الصحي والنفقات الضخمة التي يحتاجها، ويجب ان يكون هنالك مراجعة شاملة لأداء القطاع الصحي الحكومي ومواجهة ابرز التحديات التي تواجه القطاع وكيفية تعزيز تنافسيته بما يمكن من تحسين جودة الخدمات ورفع كفاءتها.
هذا الواقع غير المبرر تحت اي سبب يقودنا الى حديث جلالة الملك عندما دعا قبل فتره الى ضرورة تطوير الادارة العامة في الاردن واعادة الاعتبار لها، واختيار الشخص المناسب في المكان المناسب بعيدا عن الواسطة والمحسوبية وان تخضع الوظيفة العامة لمعايير الشفافية والعدالة. وحتى نعيد الاعتبار لمؤسساتنا الوطنية لتكون قادرة على اداء دورها ان نختار الشخص المؤهل والكفو القادر على حمل الامانة وان يكون صاحب اختصاص ووفق معايير وشروط تتطلبها طبيعة الوظيفة العامة.
هل يشترط أن يكون وزير الصحة طبيبا؟ ليس شرطا ان يكون طبيبا؛ لأن الموقع الوزاري هو موقع سياسي بالدرجة الأولى فالوزير يجب عليه ان يكون قادر على وضع سياسات عامة يترك للمدراء التنفيذيين والمختصين تنفيذها، كما عليه ان يتمتع بمهارات الادارة العامة وبالتالي ليس بالضرورة ولا هو المطلوب ان يكون الوزير طبيبا.
الامر المؤسف الذي يؤشر على تردي الواقع الصحي في القطاع العام ما صرح به بعض وزراء الصحة السابقين من قيام وزارة الصحة بتعين حوالي 700 شخص من غير المؤهلين المختصين كممرضين في المستشفيات والمراكز الصحية اغلبهم يحمل شهادة ثانوية عامة او تخصصات إنسانية ليس لها علاقة بمهنة التمريض، فماذا نتوقع جراء هذه الواقع المؤلم الذي سببه الفساد الاداري والواسطة والمحسوبية؟ … مثل هذه القرارات غير المسؤولة سيكون لها انعكاسات سلبية على المواطن الاردني وجودة الخدمات المقدمة له.
الامر الاكثر خطورة الذي يجري في وزاراتنا ومؤسساتنا وخاصة وزارة الصحة هو تطبيق نظام الخدمة المدنية على المهنيين والمختصين والفنيين العاملين في المؤسسات والوزارات الرسمية. فمثلا الطبيب العامل في وزارة الصحة بعد ان تدفع عليه وزارة الصحة عشرات الآف للحصول على شهادات الاختصاص في المجالات الطبية وتأهيله من خلال الدورات الداخلية والخارجية وبعد ان يصبح استشاري وصاحب خبره طبية ويبدأ عطاءه في خدمة القطاع الصحي تقوم الوزارة بإحالته على التقاعد عند بلوغه عمر الستين، أيعقل هذا الاجراء؟ خسارة للوطن وللمواطن. والأمر الاخر هو هجرة اصحاب العقول من الاطباء للعمل لدى الخدمات الطبية الملكية او المستشفيات الجامعية او في القطاع الخاص او للخارج على العمل في القطاع العام.
ان الاصل ان لا يطبق نظام الخدمة المدنية على الاطباء، فمرحلة عطاء الطبيب تصل لسن الثمانين وخير دليل على ذلك الاطباء المشهورين في القطاع الخاص اعمارهم فوق ال 75 سنة. وإن إحالة الاطباء اصحاب الخبرة على التقاعد وتطبيق نظام الخدمة المدنية عليهم وبعد ان تدفع على تأهيلهم ويكتسبوا الخبرات اللازمة هي جريمة بحق الوطن يجب ان تتوقف.