لبنان بين بكركي و…الصين! * فارس خشّان

النشرة الدولية –

ليس هناك أكثر من الطروحات في لبنان، ولكن، لـ”سوء حظنا” نحن الذين نريد فصل الدين عن السياسة، إنّ الطرح الوحيد الذي يستحق الاهتمام والمتابعة، هو ذاك الذي يحمله البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي.

الراعي، وفي إطار الحثّ على وجوب “تحييد” لبنان، وجّه، في الأيام القليلة الماضية، رسالة مصوّرة هاتفياً، إلى قيادة “حزب الله”، يبيّن فيها حيوية طرحه وفوائده على جميع اللبنانيين، في مقابل ويلات سلوك هذا الحزب ومخاطره.

ويبدو واضحاً أنّ الراعي يُخرج نفسه من هذا التراشق العقيم حول تشكيل الحكومة، ليضع أصبعه على الجرح الوطني النازف، ذلك أنّ شكل الحكومة وفاعليتها، ليسا سوى عارضين من عوارض المعضلة الأساس المتمثّلة بتحكّم “حزب الله” بالبلاد، ترغيباً هنا وترهيباً هناك.

في واقع الحال، لقد اختبر لبنان، في السنوات الأخيرة، كل الحلول “الحكومية”، متجنّباً ملف “حزب الله”، فأثقل الفشل عاتق الدولة وأوصلها الى إنهيار موصوف.

إنّ الحكومات، مهما كانت تشكيلتها، لا يمكن أن تنجح إذا كانت المشكلة الفعلية خارج يد السلطة التنفيذية، كما هي عليه مشكلة لبنان مع “حزب الله”.

طرح البطرك الراعي يلقي الأضواء على هذه الحقيقة التي يعرفها الجميع ويسكت عنها الكثيرون، ذلك أنّ الأدوار التي يلعبها “حزب الله” لا تضعف ثقة الداخل بالدولة كإطار جامع وعادل ومتكافئ، ولا تخيف المستثمرين من مناخ مرتفع الخطورة فحسب، بل تسيء، أيضاً، الى مصالح لبنان التي كانت تتأمّن عبر حاضنة مالية واقتصادية عربية، طالما ساعدته على تجاوز مخاطر أحدقت به.

ويأخذ طرح الراعي أهمية أكبر، في هذه اللحظة الإقليمية والدولية، ذلك أنّ “حزب الله” الذي يسير، وفق الأجندة الإيرانية المتشددة، سيزيد من ضغطه على لبنان، مستفيداً من تفاقم أزماته، ليلحقه، ولو من دون مقوّمات مؤاتية، بنظرية “التوجه شرقاً” التي انتقلت في إيران من “خيار بديل” الى “اتفاق استراتيجي” مع الصين.

وفي وقت سابق، وقبل أن توقّع إيران والصين الاتفاق، كانت نظرية “التوجّه شرقاً” مجرد “خيار بديل” طرحه “حزب الله” على لبنان، مراراً وتكراراً. حالياً، ومع توقيع هذا الاتفاق، فإنّ ما كان مجرد طرح للتفكير، سيكون مشروعاً واجب التطبيق.

وإذا كانت إيران تريد من اتفاقها مع الصين أن يعينها، مرحلياً، على الضغوط الأميركية، فإنّ “حزب الله” يريد من نظرية “التوجه شرقاً” أن ترفع مسؤولية الانهيار الذي يصيب لبنان عن كاهله وتبقيه كما هو وحيث هو.

وعليه، فإنّ تزخيم البطريرك الماروني لطرحه، إنّما يفكّك محاولات “حزب الله” الهادفة الى نقل أساس المعضلة اللبنانية من مكان حقيقي الى آخر وهمي، ذلك أنّ ما يعاني منه لبنان لا تتوافر حلوله في “هذا الشرق”، ليس لأنّ لا مشاكل معه على الإطلاق، بل لأنّ الشرق قبل الغرب لا يريد أن يكون لبنان مجرد جبهة متقدمة في معارك إيران الإقليمية، فالصين، مثلاً، هي شريك دائم في كل المنتديات الدولية الصديقة للبنان، حيث لا يغيب عن أي بيان من بياناتها  التشديد على “وجوب أن ينأى لبنان بنفسه عن حروب المنطقة وصراعات المحاور فيها، وفق منطوق إعلان بعبدا” الذي سبق أن تبنّاه مجلس الأمن الدولي، في عهد الرئيس ميشال سليمان.

ولا يغيب عن تقييم المتابعين أنّ التعاطي الدولي مع “حزب الله” شيء ومع إيران شيء آخر، ذلك أنّ التعاطي مع إيران هو مع دولة لديها مشاكل كبيرة مع المجتمع الدولي ولا بد من إيجاد حلول سليمة لها، في حين أنّ التعامل مع “حزب الله” لا يتخطّى حتى من قبل أكثر الدول “لطفاً”، حدود النظرة الى كيان ميليشياوي، يتسبّب بمشاكل وجودية لدولة لبنان التي بات يُخشى أن تُمحى عن الخارطة.

وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة الأميركية يمكن أن تضعف، وإسرائيل يمكن أن تُزال من الخارطة، وفق “بروباغندا” الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، ولكن “حزب الله” لا يمكن أن يستمر، بصيغته الراهنة، إذا كان هناك من يريد أن يبقى لبنان في منظومة الدول.

وعليه، فإنّ طرح الراعي، هو الطرح الوحيد الذي يمكن التأسيس عليه، لمخرج سليم من أزمة وجودية خطرة للغاية.

بطبيعة الحال، إنّ الطرح السليم لا يعني طرحاً سهل التنفيذ، ولكن إذا كانت القوى السياسية التي طالما واجهت منتقدي “نومها مع حزب الله في سرير واحد” جادّة بسؤالهم عن البديل الذي يقترحونه، فما عليها سوى تشكيل رافعة سياسية ووطنية لهذا الطرح البطريركي الذي لا يتأثّر بهوى انتخابي هنا، وبمصالح في تقاسم كعكة السلطة هناك، بل يعين اللبنانيين على أن يأخذوا مشاكلهم الكارثية إلى أبعد من حسرة ميشال عون لتعويضه عن حرمانه من أن يرث بستان جدّه بالاستقتال للاستيلاء على رئاسة الجمهورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button