اتفاق بايدن الجريء… أداة لإعادة اكتشاف جوهر اليسار الديمقراطي!* الغارديان
النشرة الدولية –
«إنها خطة جريئة ويمكننا إنجازها»! هذا ما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن عند إطلاق خطة التريليونَي دولار في الأسبوع الماضي لترميم البنية التحتية الأميركية التي تتراوح بين إصلاح 20 ألف ميل من الطرقات، وإعادة ترميم الجسور والموانئ وأنظمة المياه و»اقتصاد الرعاية» (أصبحت الرعاية اليوم جزءاً من البنية التحتية المحلية). تشمل هذه الخطة أيضاً زيادة واسعة في مستوى الإنفاق على الأبحاث المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتخلص من انبعاثات الكربون، ومن المنتظر أيضاً إقرار خطة أخرى بقيمة تريليونَي دولار لدعم قطاعات حماية الأطفال والتعليم والرعاية الصحية غداة «خطة الإنقاذ الأميركية» التي تبلغ قيمتها 1.9 تريليون دولار وتم إقرارها قبل ثلاثة أسابيع.
يبدو حجم هذه الحُزَم هائلاً، فقد بدأ المؤرخون والسياسيون يقارنونها بالطموحات التي حملها «الاتفاق الجديد» في عهد فرانكلين روزفلت أو برنامج «المجتمع العظيم» في عهد ليندون جونسون، ففي بريطانيا، يمكن تشبيه الوضع بإقدام أي حكومة مرتقبة بقيادة «حزب العمال» على التعهد بإنفاق 500 مليار جنيه استرليني خلال العقود المقبلة، تزامناً مع التركيز على بريطانيا المتأخرة في مجالات كثيرة. إنها التزامات حقيقية برفع مستوى البلد وتعزيز مظاهر المساواة العرقية والتحول إلى قوة عظمى في مجال العلوم.
شعر الديمقراطيون اليساريون الوسطيون بالارتياب والبهجة في آن، فقد هنأ بيرني ساندرز بايدن واعتبر «خطة الإنقاذ الأميركية» «أهم تشريع للعمال منذ عقود»، وفي السياق نفسه، كتب روبرت كوتنر، أحد محرري المجلة التقدمية «أميركان بروسبكت»: «في هذه اللحظة تحديداً، استرجع الديمقراطيون جوهرهم الحقيقي». ثم استنتج قائلاً: «أنا لستُ متديناً بشكلٍ خاص، لكني أتذكر صلاتي اليهودية المفضلة التي تشكر الله لأنه أوصلنا إلى هذا اليوم».
يدعو بايدن كل من يحمل أفكاراً أفضل إلى طرحها شرط ألا تُفرَض أي ضرائب إضافية على الأميركيين إذا كانت مداخيلهم أقل من 400 ألف دولار سنوياً. إنه تعريف فضفاض للطبقة الوسطى وإثبات على حجم التحالف الذي يبنيه، لكن الديمقراطيين كانوا يرفضون هذه الزيادات الضريبية أيضاً منذ عشر سنوات.
ما يضمن فاعلية السياسة الأميركية اليوم هو إرث ترامب الذي وحّد الديمقراطيين بدرجة غير مسبوقة تزامناً مع تقسيم الجمهوريين. يدرك بايدن مخاطر انتخابات التجديد النصفي في 2022 بعدما شاهد أسلافه الديمقراطيين وهم يخسرون سيطرتهم على مجلس الشيوخ أو مجلس النواب أو المجلسَين معاً، مما يؤدي إلى بلوغ طريق مسدود. هو يراهن على إبقاء الجمهوريين منقسمين وعاجزين عن التحرك بفضل برنامجه الشعبي، إذ تبقى هذه المقاربة أفضل من المراهنة على منافع المسؤولية المالية التي يلوّح بها الجمهوريون إذا فازوا بالسلطة لخدمة ناخبيهم.
لكن وباء كورونا كان المحرك الأساسي لهذه التطورات، فقد كشف مدى هشاشة جوانب متعددة من حياة الأميركيين. حتى أنه جدّد شرعية مفهوم الحكومة بحد ذاتها: الحكومة هي التي أمّنت كميات كبيرة من اللقاح، وهي التي دعمت مداخيل الأميركيين العاديين، فقد أصبحت الرأسمالية الأميركية غير المقيّدة احتكارية أكثر من اللزوم، فهي تحرص على دعم ثروات الجهات الداخلية وتُهمِل في المقابل مصالح معظم الشعب ومداخيله وآماله. نجح بايدن، السياسي المخضرم، في قراءة هذه المؤشرات وسعى إلى إطلاق حملة ضخمة لفرض قرارات جديدة، ومن المتوقع أن تُطرَح خطط أخرى لإصلاح التجارة والشركات والقطاع المالي ودعم النقابات العمالية.
يرتفع احتمال أن ينجح بايدن في إقرار برامجه ومن المتوقع أن تكون فاعلة، حيث يستطيع اليسار البريطاني أن يستخلص دروساً واضحة من هذه التجربة. قد تجذب الشخصيات المؤثرة في معسكر اليسار أكثر الأعضاء ولاءً للحزب، بغض النظر عن فاعلية برامجها، لكن يجب أن يفوز شخص مثل بايدن في الانتخابات أولاً ثم يحقق الأهداف المطلوبة، فبعد استخلاص هذا الدرس المهم، قد يتمكن البريطانيون بدورهم من الاحتفال ببدء مرحلة الإنجازات.