قراءة في عملية الأردن “الوقائية”* فارس خشان
النشرة الدولية –
النهار العربي –
التطورات المهمة التي شهدها الأردن، في الأيّام القليلة الماضية، جذبت اهتمام دوائر القرار في العالم، من دون أن تُثير قلقاً “إستثنائياً” لديها.
ولا تعود هذه “الطمأنينة النسبية” إلى ثقة دول القرار بقوة النظام الأردني العصي على الإنقلابات، بل، على الأرجح، إلى عاملين متداخلين، أوّلهما، غياب أيّ دليل على إرادة إقليمية ودولية تستهدف بنية الحكم فيه، وثانيهما، “ضعف” الجهة التي جرى الإعلان عن استهدافها، في ظل وقوف الجيش والأجهزة الأمنية، بشكل لا لبس فيه، إلى جانب الملك عبدالله الثاني.
وثمّة قناعة كبيرة في دوائر القرار الدولي أنّ النظام الذي يعاني صعوبات داخلية كبيرة، بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة، ويعيش في “تباينات” مع دول إقليمية مهمة، نفّذ “عملية وقائية” محسوبة المخاطر.
كيف ذلك؟
إفتقد الشارع الأردني، منذ انطلاق تحركاته الإحتجاجية، الى قيادة قادرة على تزخيمه، وتالياً على إنتاج “بدائل” تتمتّع بمصداقية وطنية شاملة تشترطها غالبية الشعب الأردني الذي “كواه” حليب” الربيع العربي.
وكان يمكن لدخول ولي العهد السابق الأمير حمزة، بما يتمتع به من علاقات في الداخل والخارج، على خط “التعاطف مع الشارع المعارض”، أن يساهم برفع المخاطر.
وليس سرّاً أنّ علاقات الملك الأردني مع إسرائيل، في أسوأ أحوالها، فيما علاقاته مع المملكة العربية السعودية، ليست في أفضل أحوالها.
وهذه المعادلة الخارجية، في ضوء توافر ما يكفي من إشارات داخلية، تسرق النوم من عيني أيّ نظام، ولذلك كان لا بدّ من عملية احتوائية، إحباطاً لهذا ” التوجّس” الذي ترفعه “تباينات” الأردن مع الإقليم إلى مرتبة “الخطر”.
وجاء انقضاض النظام على ” العوامل الداخلية” ليُفهم الجميع، أينما كانوا”، أنّ الأمر، كان ويبقى ويستمر، للملك المتوّج.
وليس من قبيل الصدفة أن يتولّى وزير الخارجية أيمن الصفدي إعلان تفاصيل التحرك العسكري والأمني والقضائي، فالرسالة موجّهة الى الخارج قبل الداخل.
كما أنّ توقيت إعادة النظام الملكي الأردني تجميع أوراقه لا يعتبر تفصيلاً، في هذه العملية، إذْ إنّ الأدلة التي صدرت من الولايات المتحدة الأميركية، أثبتت أنّها طوت زمن دونالد ترامب و”صفقة” صهره جاريد كوشنير التي وقف الملك عبد الله الثاني ضدّها، على الرغم من حصولها على تأييد دول الخليج التي لا يستطيع الأردن أن يعيش من دون تناغم ودّي كبير معها، نظراً لاحتياجاته إلى ما ترفده به من دعم مالي واقتصادي.
قد تكون هناك صعوبة في إقناع كثير من الأردنيين أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ليس مستهدفاً بالعملية التي قام بها النظام، فهم يعرفون أنّ العلاقة بين ملكهم وولي العهد السعودي، ليست “ودّية للغاية”، كما يعرفون أنّ أهم شخصيتين جرى توقيفهما هما على علاقة “تفاعلية” معه ويحملان الجنسية السعودية.
وما زاد من شكوكهم أنّ وزير الخارجية أيمن الصفدي تقصّد الإبهام في كلامه عن “تورط جهات خارجية”، بعدم تسمية أحد، وتالياً أبقى “باب” التكهّنات مفتوحاً على مصراعيه، في ظل تسريبات تزخر بها أبرز الصحف الأميركية، عن أدوار منسوبة الى السعودية، في “محاولة الإنقلاب”.
وهذا ما أدركته الرياض، فوراً، فسارعت، بدورها، الى تنفيذ “عملية احتوائية”، بدأت بتسجيل أوّل بيان دعم للملك وإجراءاته الأمنية، قبل أن يحط في عمّان وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، حاملاً رسالة تأييد من ملكه الى الملك الأردني.
ولا شك أنّ خصوم السعودية دخلوا على الخط لتعزيز “نظرية المؤامرة”، بحيث حاولوا، مثلاً، تحويل زيارة الوزير بن فرحان، من زيارة دعم الى زيارة ضغط.
إذن، في اعتقاد دوائر القرار في العالم إنّ ما شهده الأردن، في الأيّام الأخيرة، لا يمكن اعتباره، بأيّ شكل من الأشكال، إحباطاً لانقلاب، ولكنه من دون شك “عملية وقائية” تمنع أيّا كان، من التفكير، ولو لوهلة، بإمكان حصول انقلاب.
ولأنّ هذا الواقع، لا يُلغي أنّ ثمة قلقاً كبيراً على حاضر الأردن ومستقبله، إذ إنّ “الفقر ولّاد المشاكل”، فإنّ العين مشدودة الى الحريصين على استقرار الأردن الذي يلعب أدواراً مهمّة لمصلحة السلام الإقليمي، حتى يترجموا بياناتهم الى …أموال.