أضواء على «معركة القدس»* د. اسعد عبد الرحمن

النشرة الدولية –

منذ احتلال القدس كاملة في العام 1967، لا حصر للمقارفات الإسرائيلية في المدينة والتي شملت السكان ومقدساتهم ومنازلهم وحتى قبورهم، لكن في هذه الأيام، يخوض المقدسيون مع الاحتلال الإسرائيلي معركة الحسم النهائي لهوية «زهرة المدائن» الدينية والثقافية والسكانية في ضوء (بل ظلام) إخطارات الهدم الفوري لعشرات المنازل في حي البستان، في سلوان، الملاصق للمسجد الأقصى وتحويله إلى «حديقة توراتية» لصالح مشاريع، ضمن مخطط تهويدي، وهو المخطط الذي أجل مرات عديدة بسبب الضغط الشعبي والجماهيري، وكذلك بسبب الحراك القانوني الفلسطيني. وكذلك «حي الشيخ جراح» الذي يواجه خطر نكبة جديدة بعد إخطار الاحتلال عديد العائلات بإخلاء منازلها، لإحلال «المستوطنين» بدلا منهم بهدف تطويق البلدة القديمة، واختراق الأحياء الفلسطينية بالبناء الاستعماري/ «الاستيطاني».

هدم الاحتلال، منذ العام 1967، قرابة (2000) منزل في القدس، متبعا سياسة توسعية عنصرية ممنهجة تجاه المقدسيين، بهدف إحكام السيطرة على القدس وتهويدها وتضييق الخناق على سكانها الأصليين، وذلك من خلال سلسلة قرارات وإجراءات تعسفية طالت جميع جوانب حياة المقدسيين اليومية. واليوم، يخضع المقدسيون لما يقارب 33 ألف قرار هدم، نتيجتها على الأرض تهجير حوالي نصف سكان المدينة وهدم ومصادرة منازلهم وأراضيهم في ظل عراقيل ومعوقات توضع أمامهم لإصدار تراخيص بناء. وفي هذا النطاق، وضعت سلطات الاحتلال نظاما قهريا يقيد منح تراخيص المباني، بحيث تمضي سنوات قبل أن تصل إلى مراحلها النهائية، في مقابل المصادقة على تراخيص بناء مئات آلاف البؤر «الاستيطانية» اليهودية في المستعمرات المقامة على أراضي القدس.

على صعيد مختلف لكنه متمم، ما زال المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف يواجهان المقارفات الإسرائيلية المتصاعدة، وعلى رأسها جماعات «الهيكل المزعوم» اليهودية ودعواتها للاقتحامات الجماعية وجهودها في إطار تعدد مسارات العدوان على الأقصى بالتقسيم الزماني عبر تخصيص السبت كيوم مقدس يكون فيه الأقصى لليهود فقط، والتقسيم المكاني الذي يستهدف اقتطاع مصلى باب الرحمة والساحة الشرقية من الأقصى، ومحاولة تأسيس «الهيكل المزعوم» معنوياً بأداء كامل الطقوس اليهودية في الأقصى وفي الحرم الشريف؟، باعتبارها خطوة على طريق تأسيس «الهيكل» مادياً.

رغم أهمية كل قطعة أرض مهما صغر حجمها في فلسطين التاريخية، إلا أن المواجهة الحقيقية اليوم مكانها القدس المحتلة، حيث نرى اتفاقا إسرائيليا واحدا بين الوزراء والبرلمان و”المستوطنين» بشأن تهويد القدس باعتبارها «العاصمة الأبدية» وفقا لجوهر المشروع الصهيوني الديني والسياسي. ويتم ذلك عبر تكثيف «الاستيطان» من جهة، وإيجاد ظروف معيشية قاسية من جهة أخرى، وممارسة قمع ممنهج بهدف التهجير من جهة ثالثة، حتى باتت القدس أكثر «ابتعادا» عن محيطها الفلسطيني بسبب إجراءات الحصار والعزل والإغلاق، وبالذات بعد بناء جدار الفصل العنصري في محيطها الذي حولها إلى «غيتو» كبير تحيطه «المستوطنات» من الجهات الأربع.

المقدسيون في المقابل، وحدهم، يقاومون… باستثناء أشكال محدودة من الدعم الشعبي المعنوي والمادي تصلهم من داخل فلسطين ومن خارجها، وكله ما زال دون الحد المطلوب، فهل نتعظ ونبادر نحن معشر العرب والمسلمين؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى