ألا “يحسد” قادة لبنان و”مقاوموه” إسرائيل؟ * فارس خشّان
النشرة الدولية –
عندما أفصح “صندوق النقد الدولي” عن تقديره للنمو المتوقع في الاقتصاد الإسرائيلي لهذا العام، ذهب تفكيري، فوراً إلى الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله ورئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون وسائر المسؤولين الذين “كلّما دقّ الكوز بالجرّة”، رفعوا شعاراتهم العظيمة ضد “العدو الغاشم”.
وشكّل تقرير “صندوق النقد الدولي” مناسبة جديدة للتأمّل، إذ إنّه وجّه إهانة جديدة للبنان وشعبه، فالعدو يتألّق بنمو سيفوق خمسة بالمائة، فيما لبنان ينهار كليّاً، تحت أعباء أضخم كارثة مالية واقتصادية واجتماعية، على الإطلاق، وفق توصيف “الصندوق” نفسه.
فكرتُ بنصرالله وعون وسائر المسؤولين اللبنانيين ومعهم غالبية اللاعبين السياسيين، وحاولتُ أن أفهم ما يمكن أن يشعر به هؤلاء، أمام وقائع تُثبت تفوّق كاسح للعدو في مقابل انهيار كامل للبلد الذي يملأونه بالشعارات والقصائد والصور واللافتات والتماثيل والانتصارات والوعود بانتصارات جديدة.
وطرحتُ أسئلة كثيرة، أعرف أنّني لن أحصل على أجوبة شافية عنها: ألا يغار هؤلاء من عدوّهم، وهو يسجّل نجاحاً بعد نجاح؟ كيف يمكن أن يكشفوا وجوههم أمام شعبهم، وهم يسهمون في تدمير دولتهم فيما يجهد عدوّهم من أجل عملقة دولته؟ أيُعقل أن تصدح أصواتهم في لبنان، وهم يُهانون على كل المنابر الدولية، بسبب عجزهم وسخافاتهم وأنانياتهم وفسادهم وعمالتهم، فيما يُضرب المثل بما يقوم به العدو، في كثير من المجالات، تجسّد أحدثها في حملة التلقيح ضد فيروس الكورونا؟ أيّ وقاحة هذه التي تعين هؤلاء المسؤولين اللبنانيين ليستمروا في خططهم، طالما أنّ الليرة “تموت” في مقابل تدخّل المصرف المركزي الإسرائيلي ليحاول التخفيف من قوة “الشيكِل”؟ ألا تتجمّد أطرافهم، وهم يضربون علاقات لبنان بدول طالما حضنت وطنهم في أزماته، فيما عدوّهم ينجح في التحالف معها؟ وكيف يُمكن لهؤلاء أن يتحدّثوا عن الديموقراطية، وهم “العاجزون” عن إجراء انتخابات نيابية فرعية، فيما عدوّهم قد أجرى، في سنتين، لمواجهة أزمات الحكم فيه، أربعة انتخابات تشريعية عامة، ويتحضّر، على الأرجح، لإجراء الخامسة؟ وكيف تُراهم يشعرون، وهم يرون أنّ “صاحب هذه الإنجازات” بنيامين نتنياهو مُحال على المحاكمة بتهم الفساد، فيما هم فوق كل مساءلة وحساب، مع أنّ ما يُنسب إليهم من أفعال، إذا ما جرت مقارنتها بما هو متّهم به رئيس الوزراء الإسرائيلي، تحوّل نتنياهو الى ملاك؟
إنّ العداوة ليست مجرد مواجهة بالموت فقط بل هي، وقبل أيّ شيء آخر، منافسة على الأفضل، ولهذا يسقط من قامة مستحقي صفة عدو، كل من يفشل في هذه المنافسة.
وبهذا المعنى، ليس في لبنان اليوم أيّ عدو لإسرائيل، بل إن من يحكمونه ويتحكمّون به، هم، في حال صحّت “نظريات المؤامرة”، حلفاء طبيعيون لها، فعلى أيادي هؤلاء تمّ تدمير القطاع المصرفي، بعد تدمير السياحة والخدمات والمرافق العامة والإدارة وأسس الديموقراطية، وعلى أياديهم أيضاً، تعلو موجة جديدة من هجرة الطاقات والكفاءات والإستثمارات، و يُذلّ الشعب ويفقر ويجوع.
إنّ أسباب عداء لبنان لإسرائيل كثيرة ومحقّة، ولكن ليس فيه من هو كفء لقيادة هذا العداء، فمن يعمل، ليلاً نهاراً، على تدمير الدولة وتجويع الشعب، بينما الدولة التي يُشهر عداوته لها، تنجح في شغل مقاعد متقدمة في ركب التطور، لا يمكن أن يكون إلّا حليفاً موضوعياً لها.
في زمن مضى، كان في لبنان من يُعادي إسرائيل فعلاً، فسعى الى الانفتاح على المجتمع الدولي، وإلى توثيق العلاقات بالدول العربية، وإلى شد أواصر التفاهم الوطني، والى الإنخراط في ورشة إعمار شاملة تبدأ بالحجر وتمر بالمؤسسات لتصل الى البشر، وإلى التقليل من الشعارات العظيمة والإكثار من الإنجازات الدسمة.
هذه الطينة من القيادات التي سعت إلى وضع لبنان في قائمة الدول القادرة على المنافسة، جرى تخوينها وتهميشها، ومن عجزوا عن تهميشه نجحوا في اغتياله، ليستبدلوا بهم هؤلاء الذين لعظمة صدقهم في العداوة لإسرائيل، بذلوا أقصى طاقاتهم ولا يزالون، ليعيدوا لبنان إلى العصر الحجري.
قال الفيلسوف آرثر شوبنهاور، في القرن التاسع عشر:” إنّ الحسد أعلى درجات الاحترام”.
للأسف، في هذا الزمن اللبناني المأساوي، وبسبب هؤلاء الذين يقودون ما يزعمون أنه عداء، كثيرون بيننا يحسدون… إسرائيل.