القاهرة تُرسِل لباريس من بيروت “قائمة العقوبات”* فارس خشان

النشرة الدولية –

“ظنّ كثيرون أنّ وزير الخارجية المصري سامح شكري أتى الى بيروت حاملاً رسالة فرنسية، فإذا به، يُفاجئ الجميع، ويُرسل من بيروت رسالة الى فرنسا”.

هذا التعليق الذي قدّمه سياسي لبناني مخضرم لا يمكن إدراجه في خانة “الظرافة” فحسب، بل هو أيضاً، وبكل المقاييس، ترجمة حقيقية لاختلاف الرؤى بين الدول المعنية في لبنان.

وبالفعل، فإنّ باريس ركّزت جهودها، منذ أشهر عدة، على جمع سعد الحريري، الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة بجبران باسيل، رئيس “التيار الوطني الحر” الذي يبدو أنّ “الخليّة الدبلوماسية” في قصر الإليزيه، تتعاطى معه على أساس أنّه “رئيس أمر الواقع للجمهورية اللبنانية “، كما أنّها حرصت، على إبقاء قنواتها الدبلوماسية والمخابراتية مفتوحة مع “حزب الله”.

ولكنّ القاهرة التي تتلاقى مع باريس على أولوية تشكيل حكومة في لبنان، حرصت، خلال زيارة شكري لبيروت، بالإضافة إلى تجاوز “حزب الله”، على تسجيل تجاهلها “المدوي” لباسيل، على اعتبار أنّ إزالة العوائق أمام تشكيل الحكومة، إذا كانت النيات الإيجابية متوافرة، هي في القصر الجمهوري، حصراً، وليس في أيّ من متفرّعاته.

وليس خافياً على متابعي الجهود الفرنسية أنّ القاهرة رفضت سابقاً أن تلبّي طلبات فرنسية بالضغط على الحريري من أجل أن يجتمع بباسيل.

وقد لا تكون الصدفة وحدها وراء توقيت زيارة الوزير سامح شكري لبيروت، في وقت لم تُثمر فكرة جمع الحريري وباسيل في باريس.

ويعتبر المراقبون أنّ الرسالة المصرية الى فرنسا تذهب أبعد من ذلك بكثير، إذ إنّها تُلقي بظلالها على تلويح قصري الإليزيه والكي دورسيه، باستهداف المتسببين بعرقلة تشكيل الحكومة برزمة من “الإجراءات” التي يسمّيها اللبنانيون وإعلامهم بالعقوبات.

بالنسبة للقاهرة، معرقلو تشكيل الحكومة اللبنانية، هم من استثنتهم زيارة شكري من جدول أعمالها.

وباريس ليست بعيدة في تقييمها النهائي عن القاهرة، ولكنّ أسلوبها مختلف، فهي أيضاً تضع العرقلة عند باسيل، ولكنّها تعتبر أنّه تقع على الحريري مسؤولية الاجتماع معه، في محاولة لإزالة العوائق التي قد يكون “حزب الله” يختبئ خلفها ويستغلّها لتبرئة ذمّته من جريمة تدمير لبنان.

وتعرف باريس أنّ “حلحلة” العقد الحكومية يجب أن تخرج من القصر الجمهوري، ولكنّ تجربتها بيّنت لها أنّ الأمر الواقع في لبنان “جيّر” صلاحيات رئيس الجمهورية الى صهره، فمعه تُعقد الإتفاقيات وتبرم الصفقات. وهذا واقع صنعه جميع هؤلاء الذين عقدوا اتفاقات وتفاهمات مع باسيل لانتخاب عون رئيساً للجمهورية، ولم يكن لبنان في الخطر المحدق به حالياً، ويريدون الآن تصحيح هذا الواقع، على الرغم من حلول الكارثة الكبرى.

ولكنّ هذا التفكير الفرنسي على واقعيته، يتجاهل حقيقة تعرفها غالبية اللبنانيين ومفادها أنّ الكارثة التي يعيشها لبنان إنّما تعود، في أبرز وجه من وجوهها، إلى إبرام صفقات مع باسيل وضمناً مع “حزب الله”.

وقد تكون القاهرة من أكثر الدول العربية “اعتدالاً” في التعاطي مع لبنان، ولكنّها بالنتيجة تحاول أن تعبّر في آن، عن نظرتها وعن نظرة حلفائها الذين يستحيل أن يخطوا خطوة مثمرة تجاه بيروت، في حال بقيت محكومة بمعادلة المقايضة التي يلتزم بها كل من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.

ولكنّ هذا كلّه لا يضع باريس في خانة “المعجبين” لا بباسيل ولا بعون، فهي رفضت طلبات ملحّة من باسيل لاستقباله “إفرادياً”، كما انّها وجّهت رسالة استياء الى عون، عقب كلمته الأخيرة التي ركّزت على “قيادته” لمطلب التدقيق الجنائي في حسابات المصرف المركزي، فأكدت، عبر مسؤول فيها، أنّ الإصلاح الذي ينشده الشعب اللبناني أشمل من ملف واحد، وهذا يحتاج الى حكومة فاعلة يفترض بالجميع التوقف عن وضع العراقيل أمام تشكيلها، مقدّمين مصالحهم الخاصة على المصالحة العامة.

 

أمام هذه المعطيات ماذا ستفعل باريس، فهل ستلجأ، فعلاً، الى فرض العقوبات على مسؤولين لبنانيين؟ وما هو أفق هذه العقوبات؟ ومن تراها ستشمل؟

قبل أسبوعين، كان المسؤولون الفرنسيون المعنيون بلبنان، يجزمون بأنّ “سياسة العقوبات” لا تجدي نفعاً، ويقدّمون، تأكيداً على هذا التوجّه، نموذج العقوبات الأميركية التي سبق أن استهدفت جبران باسيل، ويقولون:” نحن لا نعتبر أنّها عقّدت تشكيل الحكومة ولكنّنا نعتبر أنّها لم تساهم في حلحلة العقد، وتالياً، فهي لا تقدّم ولا تؤخّر”.

ولكنّ هذا قد تغيّر الآن. صحيح أنّه لم تدخل على أدبيات الخطاب الرسمي الفرنسي تجاه لبنان كلمة “عقوبات” بل جرى استعمال كلمة “إجراءات”، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّ كلمة “عقوبات” تستعمل في الكواليس.

حتى تاريخه، ليس هناك قائمة معروفة لا ب”الإجراءات” ولا بالمستهدفين بها. هناك موقف أعلنه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، في رد عن سؤال رسمي في مجلس الشيوخ، وسبقه قرار من الإتحاد الأوروبي. الموقف الفرنسي، ولو كان قد تحدّث عن مهلة أيّام، بقي مبهماً، وكذلك الحال، بالنسبة للقرار الأوروبي الذي تحدّث عن الطلب من “دائرة العمل الخارجي” وضع مجموعة اقتراحات لطريقة التعامل مع المسؤولين اللبنانيين، إذا لم تفلح الضغوط السياسية في تشكيل “حكومة مهمة”.

في الكواليس، هناك حديث عن تفكير بمنع الدخول الى دول الإتحاد الأوروبي، ولكن ليس هناك أي تفاهم على المستوى الذي يمكن أن تشمله “الإجراءات”، ممّا يعني أنّ هناك تصعيداً في “الحث”، حتى لا تصل الأمور الى المواجهة بالسلبية، لأنّ التجربة اللبنانية، دلّت على أن أيّ إجراء يستهدف “عارض المرض” لا يمكن أن يُثمر إذا بقي “المرض نفسه” محصّناً.

من المؤكّد أنّ باريس جادة، بدعم من الإتحاد الأوروبي، في اتخاذ “إجراءات” ضد معرقلي تشكيل الحكومة، ولكنّ السؤال الذي يفرض نفسه على الجميع، وينتظر جواباً: هل يُعقل أن يكون معرقلو تشكيل الحكومة، باللغة الفرنسية، غير أولئك الذين يُشار إليهم، باللغة العربية؟

يوم الخميس الماضي، وفي حديثه عن لبنان، قال أحد الناطقين باسم الخارجية الفرنسية: “سوف نستمر في الوقوف الى جانب الشعب اللبناني والعمل مع هؤلاء الذين يشكّلون أمل هذا البلد ومستقبله”.

إنّ ترجمة هذا “الإنشاء الجميل” الى أسماء قد تكون أقسى عقوبة ضد طبقة حاكمة ومتحكّمة تعتبر أنّ لا بدائل لها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى