البروفسور نجّار: العقوبات الأوروبية “إجراء لم يألفه لبنان” تتطلب إجماعًا وفعاليتها السياسية حارقة
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
عبارة واحدة، بلغات متعددة، تتردّد على لسان كلّ مسؤول يزور بيروت، “أنقذوا بلدكم من الإنهيار الشامل وشكّلوا حكومة تنفّذ الإصلاحات لنساعدكم”. يصل وفد ليغادر آخر، حاملًا الرسالة نفسها، عائدًا بالإنطباع نفسه “ثمّة في لبنان من يعطّل قيام حكومة لا تضمن مكاسبه الحزبية الفردية الضيقة”. هذه القناعة تبلورت فرنسيًّا وأوروبيًّا، فترجمها مسؤولون فرنسيون بأكثر من تصريح وتسريب، ملوحين بالعقوبات. وبدت أكثر وضوحًا من خلال الإنذار الذي وجّهه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي اجتمع مع نظرائه الأوروببين من أجل تحديد السبل التي تتيح للإتحاد الأوروبي زيادة الضغوط على الأطراف المسؤولين عن التعطيل، قائلًا “يجري إعداد مقترحات ملموسة ضد نفس الأشخاص الذين تخلّوا عن الصالح العام من أجل مصالحهم الشخصية”.
العقوبات الأوروبية هي إجراء لم يألفه لبنان، على خلاف العقوبات الأميركية التي فرضت على أكثر من مسؤول لبناني، في إطار القوانين الأميركية لاسيّما “قيصر” و”ماغنيتسكي”. فهل من إطار أو مسّوغ قانوني يتيح للإتحاد الأوروبي فرض عقوبات على كيانات وأفراد؟
يملك الإتحاد الأوروبي الآلية القانونية والتنفيذية التي تتيح له فرض عقوبات من خلال طرق مختلفة، كحظر السفر وتجميد الأصول وغيرها، في السياق يلفت وزير العدل الأسبق البروفسور ابراهيم نجار في حديث لـ “لبنان 24″ إلى قدرة الإتحاد الأوروبي على اتخاذ تدابير عقابية إلزامية، وهناك سوابق حصلت بحيث فرضت أوروبا عقوبات بحق روسيا وسوريا وكوريا الشمالية وتونس وغيرهم. هذه التدابير أو التوجيه (Directive) تعكس سياسة عامة في الإتحاد الأوروبي. ولكي تكون للعقوبات فعالية أكبر، يجب ألا تشتمل على ثغرات، وأن تحصل على إجماع دول الإتحاد، حتّى لا يتم الإلتفاف عليها من قبل أيّ دولة عضو في الإتحاد”.
عن طبيعة العقوبات يشير البروفسور نجار إلى ثلاثة أنواع من العقوبات يمكن للدول الأوروبية أن تفرضها “منع المعنيين بالعقوبات من دخول أراضي الإتحاد الأوروبي، تجميد حساباتهم في المصارف وتجميد أملاكهم العقارية، ومعاقبة التعامل معهم من خلال ما يعرف بحظر التعامل معهم، وكأنهم يصنّفون في خانة أعداء الإتحاد الأوروبي”.
تنقسم الآراء حيال فعالية العقوبات الأوروبية تجاه سياسيين لبنانيين مصنّفين دوليًا بخانة معطّلي قيام حكومة مهمة، لاسيّما وأنّ العقوبات الأميركية لم تفعل فعلها في هذا الشأن. استنادًا إلى مقاربة البروفسور نجار، للعقوبات الأوروبية فعالية كبيرة، تتخطّى إطارها التطبيقي في منع السفر أو تجميد الأصول لتطال البعد السياسي، “من الناحية السياسية، أعتقد شخصيًّا أنّ الأشخاص الذين يتم إخضاعهم لعقوبات يصبح مستقبلهم السياسي محروقًا، فهل يجوز مثلًا أن تتعامل دول الإتحاد الأوروبي مع رئيس جمهورية أو رئيس حكومة أو رئيس مجلس نيابي أو وزير هو موضع عقوبات من قبلها؟ وهل يجوز أن تتعامل الولايات المتحدة الأميركية مع الشخصيات اللبنانية التي أدرجتها على قائمة العقوبات بموجب القوانين الأميركية؟ حتمًا لا. من هنا تكتسب العقوبات أبعادًا خطيرة من الناحية السياسية، إلى جانب طابعها الإقتصادي والمالي من الناحية العملانية ومن ناحية التنقل والسفر، لا سيّما وأنّها تشمل ليس الأشخاص المباشرين فحسب، بل أيضًا الأشخاص المستعارين، أي الأسماء المستعارة التي قد يكون المعاقب تلطّى خلفها، كالزوجات والأولاد والأحفاد والأشقاء والأهل. وبالتالي العقوبات عبارة عن حقل مليء بالألغام بالنسبة للمعنيين، من هنا ليس سهًلا أن يكون الشخص أو الدولة موضع عقوبات، فلنرى ما حصل في إيران أو سوريا أو روسيا أو كوريا الشمالية أو السودان، بحيث تصنّف هذه الدول بالدول المارقة، وكذلك حال الأشخاص المعنيين بالعقوبات”.
بأي حال وبمعزل عن فعالية العقوبات من عدمها، أن تلجأ دولة ما أو اتحاد دولي أو هيئة أمميّة لفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين، لأنّهم رفضوا تقديم مصلحة شعبهم وبلدهم على مصالحهم الشخصية، ففي ذلك عار سيلاحق هؤلاء ليوازي خطيئة الخيانة العظمى.