خدمة مجانية من وول ستريت جورنال للصحافة العربية* كرم نعمة
النشرة الدولية –
يمكن أن تقدم الدراسة الداخلية التي أقدم عليها فريق صحافي متخصص من صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، بشأن تطوير المحتوى لاستقطاب المزيد من القراء والمشتركين خدمة لكل صحف العالم التي تصارع أزمة وجودية، فيما الصناعة الإخبارية برمتها تعيش عصرا قلقا ومستقبلا غامضا.
فما توصلت إليه الدراسة من حلول مقترحة، وإن كانت معنية بالصحيفة الأميركية تحديدا، إلا أنها مفيدة لدرجة يمكن عكسها على أزمات الصحف الأخرى بمختلف دول العالم.
فقد قام فريق من الصحافيين والباحثين في صحيفة وول ستريت جورنال على مدار أكثر من عام، بتحليل طبيعة أعمال غرفة الأخبار، وكيفية صناعة القصص الإخبارية ومدى أهميتها وقوة تأثيرها وتسويقها وقدرتها على استقطاب المزيد من القراء للجريدة. بيد أن خطورة ما توصلت إليه الدراسة من نتائج وحلول جذرية مقترحة تنسف الطرق القديمة في العمل الصحافي، جعلت إدارة الصحيفة تتحفظ عليها، وتمنع هيئة التحرير من الاطلاع عليها. ربما لتحول دون إصابة كوادرها الصحافية بصدمة! مع ذلك تم تداول ملخص مسرب لنتائج الدراسة هذا الأسبوع بين وسائل الإعلام الأميركية.
توصل الفريق في نهاية عام كامل إلى نتائج تثني على بعض طرق العمل الصحافي المستمرة في صناعة وتداول الأفكار، لكن الأهم من ذلك أنه أشار إلى الطرق الخاطئة والمكررة وعديمة الجدوى في العمل الصحافي اليوم.
أرى من المفيد للغاية أن تكون خلاصة التقرير الذي توصل إليه الفريق الصحافي من وول ستريت جورنال، على طاولة هيئات التحرير في صحفنا العربية، وهي تعيش يوميا مأزقا إخباريا ووجوديا يهدد مكانتها وتأثيرها على المجتمع.
لا يمكن أن تراهن الصحف العربية على الاشتراكات، كما تأمل صحف العالم الكبرى بوصفها جزءا من الحل لأزمتها الوجودية. الاشتراكات مساحة خارج الحسابات المنطقية لصحافتنا العربية، ولم تثبت نجاحها في يوم ما، مع ذلك من المفيد أن أعرض الاستنتاج الذي توصل إليه فريق الصحيفة الأميركية بشأن طموحها بزيادة الاشتراك.
فالرهانات تتزايد على الاشتراكات لكن ليس بالسرعة الكافية، وهدف مضاعفة عدد القراء سيكون صعبا للغاية من دون تغييرات جذرية. “المقابل في صحافتنا العربية استعادة القراء بعد أن خسرتهم على مدار سنوات”!
في مأزق الأخبار، تساءل الفريق المكلف بعد متابعة يومية ودراسة لطبيعة عمل مكاتب التحرير، كيف علينا الحصول على الأخبار، إلى أي حد يمكن أن يكون مجديا الاكتفاء بتقارير وكالات الأنباء العالمية. مقابل ذلك يجب على هيئة التحرير أن تعرف أولا طبيعة الأخبار التي تريد تغطيتها، ومن هو جمهورها.
الإجابة الواضحة على هذه التساؤلات الأساسية توصل بالضرورة صحيفة وول ستريت جورنال إلى إعادة صناعة محتواها في العصر الرقمي من أجل تأمين مستقبلها.
من الواضح أن نفس هذه الأسئلة يمكن إطلاقها داخل أروقة صحفنا العربية، لكن الكارثة تكمن في ما يمكن أن نتوصل إليه من نتائج!
ليست الصحف العالمية الكبرى وحدها التي تعاني من حاجز الخوف إزاء التغيير الجذري الصعب. هذا الحاجز قائم في كل صحف العالم. إلا أن نتائج تقرير فريق وول ستريت جورنال، طالب بالتغلب على القلق وأن تصبح مهام “غرفة الأخبار في التركيز على الجمهور” وهي خطوة اتخذتها بالفعل العديد من الصحف والناشرين الرقميين الآخرين.
تحتاج الصحيفة إلى إيجاد طرق أفضل للتواصل مع جماهيرها بدلاً من الاعتماد على ما يسميه التقرير “القراء الثقلاء” وعدم التعويل على جمهورها من الشركات التي مازال يديرها مدراء تنفيذيون متشددون.
طبيعة هذه الملاحظة توضح أن جمهور وول ستريت جورنال، يمكن أن يطلق عليه جيل “القراء الأوفياء” وهو جيل متقاعد لم يفرط بالاشتراك اليومي بالصحيفة الورقية. لكنه جيل يعدّ من الأمس ولا يمكن أن يستمر وأن يكون مؤثرا في عملية التوزيع والاشتراك، في عصر إعلامي سريع ومتدفق بالمعلومات.
تحاول الدراسة تعريف قراءة جريدة وول ستريت جورنال، في وقت تكسر الصحيفة حاجز خمسين مليون قارئ شهريا، هذا الرقم مهول وأكثر من مجرد حلم بالنسبة لأي صحيفة عربية.
أهمية الإشارة هنا تكمن في أن الصحف العربية مثلها مثل وول ستريت جورنال عليها أن تعرف من هم قراؤها من أجل التوجه إلى التفاعل معهم في طبيعة المحتوى المنشور.
فعندما يتعلق السؤال بصحفنا العربية، من هو جمهورها؟ هل بإمكان هيئة تحرير “كبرى” الصحف العربية أن تزعم بمعرفة جمهورها؟ أشك في ذلك! وذلك سبب كاف يدفع الصحف العربية إلى العمل الجاد على تغيير محتواها.
تحث الدراسة إدارة الصحيفة على معرفة حاجتها إلى نوعية من القراء الجدد وعدم الاكتفاء بـ”قراءها الأوفياء”. عليها أن تتوجه أكثر إلى النساء والشباب والمجتمعات من عرقيات مختلفة. وهذا أمر تعترف الدراسة بصعوبته من دون تغيير تغطية الصحيفة التي لا تركز عادة على التنوع العرقي.
ووجدت الدراسة أنه على مدار ثلاثة أشهر، من أصل 108 قصص رئيسية نشرتها وول ستريت جورنال، كان موضوعا رئيسيا واحد فقط عن “العرق” ولم تعالج أي من القضايا التي صارت تحرك مجتمع الملونين.
وإذا كانت هذه الملاحظة -على أهميتها- تخص طبيعة المجتمع الأميركي وعلاقته بالصحافة، فإن لدينا ما يعدلها عندما يتعلق الأمر بالقومية والطائفية والعشائرية في المجتمع العربي، وكم يترتب على الصحف معالجة هذه الملفات الشائكة بوضوح وشفافية.
في النهاية لا تخفي نتائج التقرير حاجة الصحف الماسة لغوغل وما ينتح عن محرك البحث من مؤشرات يمكن استخلاصها من تفاعل المتصفحين. وضرورة مراعاة هيئة التحرير لنتائج ذلك، باعتباره الطريق الحيوي لمعرفة توجهات الجمهور اليوم.