نادية عصام حرحش: القرى المنسيّة: حي الخلايلة والنبي صموئيل

النشرة الدولية –

حي الخلايلة ليس في الخليل، ولا يسكنه بالضرورة خلايلة. وهو بلا شك ليس الحي الوحيد الذي لم يُسمع عنه في مرمى الوجود على أطراف طرقاتنا.

يقع حي الخلايلة شمال غرب القدس على مساحة مائتي دونم.

على مقربة منه تشاركه المعاناة قرية النبي صمويل.

قرية النبي صموئيل قد تبدو أكثر حضورا. فمن منا لم يمر بطريقه الى تل ابيب من مستعمرة موديعين ولم ير جامعا على تلة تتوسطها المستعمرات؟ وكم مرة نمر بقرى منفصلة منقطعة تماما بين شارع سريع وجدار وأسلاك؟ كم مرة نمر بمحاذاة المآسي المتمثلة امامنا لاناس كثيرين ولا نكاد نلتفت لهم؟

في التلة المقابلة بما لا يزيد عن الكيلومتر الواحد عن حي الخلايلة تقع النبي صموئيل، في ظروف تكاد تكون اسوأ.. يفصلها شارع سريع وتحيطها المستعمرات من كل جانب.

تقع قرية النبي صمويل على اعلى تلة الى الشمال الغربي من القدس. تطوقها مستعمرة رامات الون وما يسمى بالحديقة القومية (الاسرائيلية) التي ابتلعت أراضي القرية التي كانت تبلغ ثلاثة آلاف و خمسمائة دونم لتصبح اليوم لا تتعدى الالف دونم بكثير.

أضف إلى ذلك غياب المسجد عن حي الخلايلة، إذ كانت اخر محاولات إقامة مسجد هناك قبل أشهر تمثلت بكرافان متنقل فرضت سلطات الاحتلال على السكان تحريكه او هدمه. يشكل مسجد النبي صموئيل احدى معالم القدس الايوبية البهية، عندما حوّل صلاح الدين القلعة البيزنطية الى مسجد.

كان الصليبيون قد احتلوا القرية سنة ١٠٩٩ وأطلقوا عليها اسم جبل البهجة لأنها مكنتهم من مشاهدة المدينة من خلال بانوراما خلابة كاشفة.

منذ الاحتلال الإسرائيلي بعد ال ١٩٦٧، هُجّر الكثير من السكان وهدمت بيوت القرية سنة ١٩٧١، واستخدمت إسرائيل قدسية (النبي صموئيل) كحجة للاستيلاء المحكم على القرية. الكنيس الذي بنته إسرائيل سنة ١٩٦٧ في القرية، تحول الى مدرسة دينية، ومن ثم الى حجة تنقيب بالقرية جعل من صمويل نبيا توراتي الحضور والحق على المكان. عمليات التنقيب بدأت منذ ١٩٩٣ ولا تزال مستمرة تبلع الأرض وترحل البشر وتخلق تاريخا جديدا يهودي الطابع للمكان.

حي الخلايلة يقع على بعد دقائق من حاجز الجيب (المؤدي الى بير نبالا)، الذي يشكل المدخل الوحيد للقرية للمرور من خلاله نحو الحياة… الحياة في الضفة.

هم في القدس ولكنهم لا يستطيعون الدخول اليها الا عن طريق تصريح ومن خلال حاجز قلنديا. أي على مسافة تبعد عدة حواجز وجدار والتفافات يحتاج الانسان ساعتين للوصول اليها.

لا يكاد يلتفت الى الحي أحد. يسكنه ما يقارب ال سبعمائة شخص ينتمون لنحو ثلاثين عائلة، ابتلعت اراضيهم المستعمرات من كل الاتجاهات حتى أصبح وجودهم عشوائيا على أطرافها.

نصف سكان الحي يحملون هوية القدس ونصفهم يحملون هوية الضفة، وشأنهم في الحقوق ككل من هو مصنف تحت خط المناطق (ج). الا ان ما يحصل هناك بلا شك به من الرعب الصامت. مفزع الى درجة انعدام القدرة على الكلام.

قادتني الطريق الى هناك ولم اصادف اي حاجز، تفاجأت لدرجة الذهول عندما رأيت سيارات بلوحات ضفة تجول في الشارع بما كان لغاية اللحظة امتدادا لمستعمرة ما. بين موديعين وجفعات زئيف وجفعون. لم اميز اين انا. بدت البيوت عشوائية بداخل كتلة المستعمرات. وما كان جليا على انه أرض هؤلاء أصبحوا هم الغرباء فيها. وجودهم شاذ عن المكان.

كيف انقلب الواقع وغلب الحقيقة. كيف أصبح صاحب الارض مرتزقا خارجا ويجول الغريب كأنه صاحب الدار. سألت سؤالي الساذج التلقائي ربما لمن يجد نفسه في الحي بلا حواجز. كل شيء يبدو متاحا ومفتوحا امامكم. وكان السؤال بلا تردد واحد: كل شيء يبدو مفتوحا، الا انه وبلحظة عبور اي منا لمنطقة ما تعتبر إسرائيلية وهو كل ما هو خارج هذا الشارع نصبح مخالفين للقانون. ويا ويل من يتم امساكه. لا اظن ان هناك قسوة أكثر من هذه. من الخارج كل شيء يبدو طبيعيا للغاية. وبلحظة تتكشف امامك الحقيقة المفزعة. كيف يكون البطش الخانق على الافراد؟

كيف يتحملون؟ لم يبقون؟

هناك صمود مستفز إذا صح التعبير. كيف يستطيع الناس ان يعيشوا في هكذا حصار محكم بفضاء مفتوح. يمر عنهم العالم ولا يكاد أحد يلتفت إليهم، فيما تمتد اضراس المستعمرات في سحقهم وهرسهم.

لم أستطع الا ان اشعر بالغضب من كل شيء وعلى كل شيء …. كيف يمكن ان يكون هناك حي (الخلايلة) حيث يسكنه أكثر من ٧٠٠ شخص، وحي آخر (النبي صموئيل) (على بعد شارع انفصال سريع عن بعضهما البعض) يسكنه ٢٠٠ شخص ولا يوجد هناك مدرسة واحدة؟ مدرسة النبي صموئيل عبارة عن غرفة واحدة تحوي الصف والاستاذ والمدير وتشتمل على كل الاعمار الممكنة. اي انه من المستحيل ان يستفيد منها الاطفال إذا ما ارادوا التعلم بالفعل.

كيف يعيش أناس في هذا البلد لهذه اللحظة من حياتنا وسط المشاريع والتنمية والتطوير بين ما يسمى بالديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط (اسرائيل) وبين السلطة المدعية سلطتها على هذا الشعب بلا عيادة طبّية للقرية؟ إذا ما اصيب أحد هناك بحالة طبية طارئة ففرص نجاته معدومة. يتكلمون عن عيادة متنقلة تمر بالقرية مرة بالاسبوع او الاسبوعين يذكرني وصفها بسيارات الايس كريم المتجولة في الافراح والمناسبات العامة.

لا اعرف على من أصب جام غضبي. فأولئك الناس هناك، أصبح الصمت هو طوق نجاتهم.

لا مؤسسات تلتفت إليهم، محاصرون بكل ما تعنيه كلمة حصار من معنى باستثناء ما لا يظهر للعين المجردة من جدار وقفل وسجان. يأتي اصحاب السياسة والمشاريع للترويج لمعاناتهم ثم بغادرون. يحثونهم على الصمود. يلتقطون الصور في اراضيهم. يستمعون الى معاناتهم، فلا بيت ممكن ان يعمر، ولا زائر من الضفة يستطيع القدوم بلا تصريح مسبق، ولا يعرف عن وجودهم من بالقدس.

واقع محزن …. لحقيقة مخزية تجردنا جميعا مما تبقى لنا من انسانية.

في مقارنة للمآسي، يبدو ما شاهدته قبل يومين بقرية بيت سكاريا أكثر املا. قرية هناك تمسح عن الخارطة ويتم ترحيلها طوعا وقسرا، ولكن أهلها الباقين يتمسكون بأرض لا يمكن ان يخلعوا منها. المسافة ما بين الضفة والضفة معالمها أكثر وضوحا. هويتها أكثر تمركزا.

اما في قرى القدس كهذه، فالأمر أكثر ايلاما. فهناك حالة واضحة جلية من القطع والقضم. ليسوا هنا وليسوا هناك. يمكثون على الحواف إلى أن يتم التخلص النهائي منهم.

عن رأي اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button