عندما تفوح فيروسات النرجسية* حمزة عليان
النشرة الدولية –
الجريدة –
وقعتُ في “مصيدة” بطلها شخص “خارق” قدم لي معلومات لم يراودني شك في أي لحظة أنها غير صحيحة، راح يستعرض الكتب التي أصدرها وبعناوين مبهرة والكتب التي تنتظر دورها!
المهم أن ما كتبته عن هذه الشخصية فضح المستور وكانت التعليقات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها بالمئات، كلها وليس معظمها تعري صاحب “التجربة الفذة” وأنه يضلل الناس ويقدم نفسه “كإنسان سوبر” متفاخراً بما أقدم عليه.
الموضوع فتح أمامي “مغارة علي بابا” على من يكتب بعض المذكرات والسير الذاتية، منهم من يمعن في “تضخيم الأنا” ويذهب بعيداً بالمبالغات وفي هذا الجانب جرت مداخلة مع زميل معتق في الصحافة والتأليف وهو الأستاذ أنطوان بارا خلاصة كلامه أن معظم من يكتب المذكرات أو السير الذاتية في العالم العربي، مشروع فاشل، يشبه من يحمل خنجراً بعد خروجه من المستشفى للأمراض العصبية، فخطر هذه المذكرات والسير يشوش الأذهان، فإذا كان كاتبها أو ساردها يتمتع بمخيلة خصبة فسيحدثك بالأهوال كما في حالة ذلك الرجل السوبر الذي انتهى من إعداد العشرات من الكتب وهو يقبع في السجن دون أن تتعدى فترة الحبس سنتين!
القارئ يريد أن يتعرف إلى جوانب الشخصية بكل سقطاتها ونجاحاتها إن وجدت، شرط ألا يمنعه الخجل من ذكر تفاصيل حياته، أو يقدم صورة ناصعة، أو يعكسها ببطولات زائفة ويضفي على نفسه ما ليس فيها.
عندما سئل الشاعر أحمد شوقي: لماذا لا تكتب سيرة حياتك لتطلع عليها الأجيال؟ أجاب: “السيرة التي سأكتبها سبق أن دونتها في أشعاري، فماذا سأضيف عليها؟”، وهذا ما تعثر عليه عند صاحب جائزة نوبل الأديب نجيب محفوظ والذي قال: “لم أفكر في كتابة سيرتي الذاتية ووضعها في كتاب مستقل لأنني كتبتها في رواياتي وقصصي”.
المقارنة غير عادلة عندما نرى وجوهنا في مرآة المجتمعات الغربية، فمستوى الثقافة والوعي مختلف بل متناقض، فأهل الشرق عموماً لديهم قيم وعادات لا تسمح “بتشريح” أو “تشخيص” الذات، في حين أن أهل الغرب لا يتهيبون أبداً من الحديث عن نقائصهم ومثالبهم وجذورهم الاجتماعية، وهو على النقيض من أهل الشرق، فهم يفخرون بكونهم خرجوا من وسط وضيع وقد يدهشك رئيساً لبلد ما، باعترافه مثلاً أنه ولد أو عاش في كوخ وهو صغير، أو أن والده كان زبالاً، كون ثقافتهم تعطي للإنسان حقه في الكفاح والطموح وتحقيق الأحلام.
نرى بعض الكتب تتناول السير الذاتية في العالم العربي التي يغلب عليها طابع المبالغة والتضخيم، ونسج البطولات، وهناك أسماء لامعة في دنيا الثقافة والفن والغناء والأدب وحتى في السياسة لم تمسهم فيروسات النرجسية والتفرد دون العالمين!
الشخصية العربية عموماً تميل إلى إظهار علامات الصدق والقوة والرجولة وهي صفات يستميت أصحابها في تحصينها حتى لا تتعرض إلى تحطيم تابوهات صنعتها ظروف معينة، فالبيئة تنظر إلى البوح عن “الوجه الآخر” على أنه شبهة ومخالف للتقاليد السائدة!
نختمها بقول المبدع المغربي محمد شكري، صاحب “الخبز الحافي”: “لن تجد أحداً يتحدث بصراحة في مجتمع تزعجه الصراحة”. أتذكر دراسة أحد الأكاديميين اليابانيين الذين درسوا الشخصية العربية عن قرب، ذهب إلى مصر لمعايشة التجربة وخرج بنتيجة تقول إن هذه الشخصية “تحمل النقيضين”، فإذا تحدث عن الشرف والكرامة والنزاهة فهذا يعني أنه يمارس الحرمنة والرشوة والكذب في حياته!
أغلب مجتمعاتنا محافظة وفي بعضها كم من النفاق يأسرها صورة “البطل” و”القائد” و”المعصوم عن الخطأ” و”الزعيم” و”المقدس” فكيف بها وهي تعري هذه الثقافة؟!