هل انتهى حفل “كوين باس” قبل أن يبدأ؟
النشرة الدولية –
ابتهجت وول ستريت جنبًا إلى جنب مع سوق العملات المشفرة، الأسبوع الماضي، بالإدراج الناجح لمنصة تداول الأصول الرقمية “كوين باس” في بورصة “ناسداك” يوم الأربعاء الماضي، حيث شهد سهم الشركة تداولات قوية.
في أول جلسة تداول، أنهى السهم عند 328 دولارًا بعدما وصل إلى 430 دولارًا في منتصف التعاملات، لكن مستوى الإغلاق كان أعلى بكثير عن السعر المرجعي البالغ 250 دولارًا، وبذلك بلغ تقييم الشركة أكثر من 61 مليار دولار، ومنح مؤسسها ثروة من عدة مليارات دولار (هناك تقارير عن بيع براين أرمسترونغ أسمهاً بقيمة تناهز 292 مليون دولار في أول يوم تداول).
في الجلستين التاليتين، شهد السهم أداءً إيجابيًا هادئاً إلى حد ما، وأغلق تعاملات الأسبوع الماضي عند 342 دولارًا، وفي هذه الأثناء احتفل سوق العملات المشفرة على طريقته، حيث دفع عملة بيتكوين إلى مستوى قياسي جديد قرب 65 ألف دولار.
ومع ذلك، ورغم هذا الإجماع المتفائل، ترددت في الأسواق صدى أصوات محذرة من أن الحفل قد يكون قصير الأمد، وأن “كوين باس” ربما تواجه صعوبة بالغة في المستقبل لتبرير قيمتها السوقية الكبيرة (المبالغ فيها من وجهة نظر البعض).
الصعوبات ستكون بالغة في ظل تقلب قيمة بيتكوين بشكل حاد، وهو ما حدث بالفعل خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث هبط سعر العملة الرقمية الأكثر شهرة عند نقطة ما خلال تعاملات الأحد بنحو 15% إلى ما دون 53 ألف دولارًا، في أكبر هبوط لها منذ شهرين (تقلصت هذه الخسائر لاحقا).
من أسباب التراجع؛ حظر البنك المركزي التركي استخدام العملات المشفرة في عمليات الشراء، والشائعات حول تخطيط الخزانة الأمريكية لشن حملة ضد غسل الأموال باستخدام الأصول الرقمية، إلى جانب تقرير أفادت بانقطاع التيار الكهربائي عن منطقة شينجيانغ الصينية، التي تحتضن جزءًا كبيرًا من نشاط التعدين.
في الأيام التي سبقت إدراج سهم “كوين باس”، تكهن مؤيدوها بأن تبلغ أكبر بورصة عملات مشفرة في أمريكا قيمة سوقية قدرها 100 مليار دولار في أول ظهور لها في 14 أبريل. لو أنهت المنصة أول جلسة لها بقيمة سوقية فوق 87 مليار دولار فقط، لحققت أكبر تقييم في اليوم الأول على الإطلاق لشركة أمريكية، متفوقًا على “إير بي إن بي” و”فيسبوك”.
كان رقم 100 مليار دولار دعاية جذابة وطموحة، لكن حتى عند أعلى مستوى للسهم عند 425 دولارًا في اليوم الأول، كانت قيمة الشركة أقل بنسبة 20% من الرقم الهائل الذي توقعه الكثيرون.
مع ذلك، فإن القيمة السوقية البالغة 64 مليار دولار في آخر جلسة تداول لا تزال تعكس التوقعات الملحمية، لكن كي يرتفع السهم بسرعة من تلك القمة، تحتاج “كوين باس” إلى شيئين رئيسيين لتحقيق أهداف الربح التي تبرر قيمة تزيد على 60 مليار دولار.
أولًا يتعين على قاعدة مستخدميها الشهرية أن تضاعف حجمها الحالي، وهو بالفعل كبيرة للغاية تعاجل خمسة أضعاف الرقم في بداية العام الماضي، وثانيًا، يجب أن يستمر سعر العملات المشفرة في الارتفاع بسرعة، نظرا لأن الرسوم الثابتة التي تجمعها البورصة تختلف باختلاف تلك الأسعار، خاصةً بالنسبة للعملة لأفضل مبيعًا بيتكوين.
كما سيكون أداء “كوين باس” أفضل بكثير إذا حافظ التداول على نمطه المترنح والمتقلب ولم يقترب من استقرار أسواق السندات والأسهم، حيث يريد المتحمسون أن تصبح عملة بيتكوين ناضجة ومقبولة، لكن كلما أصبحت أكثر هدوءًا، قل تداولها.
الصعود الأخير لعملة بيتكوين إلى مستوى قياسي فوق 64 ألف دولار، والتدافع نحو سهم “كوين باس”، ارتبطا ببعضهما البعض (ولو نفسيًا على الأقل)، وبعد صدمة عطلة نهاية الأسبوع، قد تكون هناك هزات متبادلة في الجانبين.
قال “أنتوني ترينشيف” المؤسس المشارك لمقرض العملات المشفرة “Nexo”: استيقظ عالم العملات المشفرة برأس مؤلم قليلاً الأحد، كان صعود “دوجكوين” يوم الجمعة بنسبة 100% بمثابة حفلة الذروة، وبعد المستوى القياسي لبيتكوين وإدراج “كوين باس”، ذهبت النشوة وتبددت في الهواء، وعادة في عالم التشفير، هناك ثمن يجب دفعه عندما يحدث ذلك”.
إلى جانب التقرير “غير المدعم بالأدلة” عن حملة وزارة الخزانة الأمريكية والضغوط التركية، قال “ترينشيف” إن عوامل التراجع ربما تشمل الرافعة المالية الزائدة، والمطلعين على المعلومات الداخلية لـ”كوين باس” الذين يبيعون الأسهم بعد الإدراج، إلى جانب مشكلة الكهرباء في مقاطعة شينجيانغ الصينية.
يشير بعض المشاركين في الصناعة إلى ارتفاع الأصول المضاربة مثل “دوج كوين” التي زادت قيمتها بأكثر من 7000% منذ بداية العام الجاري، كمؤشرات على أن سوق الأصول الرقمية تضخم ووأصبح عرضة للتراجع.
يقول “مايكل نوفوغراتز” الرئيس التنفيذي لشركة “Galaxy Digital” للخدمات المالية الرقمية، إنه رغم توقعه بلوغ قيمة بيتكوين 100 ألف دولار بحلول نهاية العام الجاري و500 ألفًا بحلول عام 2024، فإنه يعتقد أن السوق سوف يتسم بالاضطراب نتيجة الشهية المحمومة للأصول المضاربة مثل “دوج كوين”.
في حين أن هناك ما تقلق بورصة تداول العملات الرقمية بشأنه مع تقلبات قيمة “بيتكوين”، فإن مستقبلها كجميع الشركات يعتمد على ما يحدث في السوق الأوسع، ولا يمكن أن تكافئ المساهمين حقًا، إلا إذا بلغت قيمة العملات المشفرة معًا نحو 10 تريليونات دولار (من تريليوني دولار حاليًا)، بحسب تحليل لمجلة “فورتشن”.
يمكن عند هذا المستوى للشركة أن تحدد مدى جودة الأداء ولو جزئيًا، وذلك بشكل أساسي من خلال الاحتفاظ بحصة سوقية كبيرة للغاية تزيد من قائمة المستخدمين، ففي الحقيقة سعر بيتكوين وإيثريم وغيرهما خارج عن سيطرة الشركة، وكذلك الأمر بالنسبة لشعبية العملات ودرجة تقلبها.
ببساطة تحتاج الشركة لأحجام تداول فلكية للغاية مع حصة ضخمة منها، لكن الأسعار وأحجام التداول المستقبلية مجرد تخمين، وستواجه البورصة منافسة شديدة من شأنها أن تقلص هيمنتها الحالية وتضع رسومًا باهظة تقزم تلك المفروضة على الأسهم والسندات.
“كوين باس” هي ببساطة وكيل لمستقبل العملات المشفرة، وكما هو متعارف عليه، ستكون النتائج المستقبلية متقلبة للغاية، في انعكاس لقيم بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى، وللتعويض عن المسار الصعب، سيرغب المساهمون في تحقيق مكاسب كبيرة.
قدرت الشركة صافي دخلها في الربع الأول بين 730 مليون و800 مليون دولار من إيرادات قدرها 1.8 مليار دولار، وبافتراض أن المبلغ الدقيق كان 750 مليون دولار، فهذا يعني أن الشركة قد تحقق 3 مليار دولار سنويًا، وهذا يمنحها نسبة سعر إلى الأرباح يبلغ 30.
بفرض أن الشركة ستحتاج إلى تحقيق عائدات بنسبة 10% سنويًا، فإن هذا يعني تضاعف سعر السهم تقريبًا من مستواه الحالي إلى 640 دولارًا بحلول أبريل من عام 2028، بحسب تحليل أجرته “فورتشن”.
مع ارتفاع قيمة السهم وبافتراض ثبات نسبة السعر إلى الأرباح، سيكون على الشركة تحقيق أرباح بقيمة 6 مليارات دولار سنويًا خلال السنوات السبع المقبلة وإيرادات بقيمة 15 مليار دولار، وهي مهمة تبدو صعبة للغاية.