“30 يوما من سلوان”.. معرض للأمل بالغد الأفضل…. بيروت تنتصر للحياة بافتتاح صالة فنية جديدة في عز الأزمة اللبنانية
النشرة الدولية –
العرب – ميموزا العراوي –
تقدّم صالة “براق نعماني للفن” باعتبارها فضاء فنيا جديدا في العاصمة اللبنانية بيروت معرضا يحمل عنوان “30 يوما من سلوان” للفنان التشكيلي اللبناني سلوان إبراهيم الذي حضر شخصيا إلى الغاليري والتقى بمحبي فنه وأجرى معهم نقاشا حول أعماله المعروضة ومشاريعه المستقبلية.
“30 يوما من سلوان”، بهذا المعرض افتتح الفضاء الفني الجديد صالة “براق نعماني للفن” بالعاصمة اللبنانية بيروت نشاطها الفني في عزّ أزمة، لن يكون من المبالغة وصفها بأزمة وجودية تعصف بأنفاس أفراد الشعب اللبناني، لتخلق جوا من الأمل وإمكانية العودة إلى الحياة الفنية شبه الطبيعية.
مكان صغير في قلب منطقة الحمراء لم ينفك يتحوّل منذ عدة سنين وصولا إلى اليوم من محل للتصميم والتفصيل اليدوي لقمصان مُتقنة إلى مشغل ومعرض لمنحوتات الفنان براق نعماني المُولع بتحويل الأشياء المهملة، لاسيما ماكينات الخياطة القديمة إلى قطع فنية لافتة صالحة للاستخدام تنوّعت ما بين الطاولات والكراسي ومصابيح كهربائية استثنائية في تصميمها والمشاركة بها في معارض فنية ومنها معرض في غاليري “عايدة شرفان” البيروتي.
أخبرنا الفنان براق نعماني، يوما، حول انطلاقة أعماله تلك بهذه الكلمات “ورثت مهنة الخياطة عن أهلي.. كانت بالنسبة إلي فنا وحرفة وأوليها اهتماما كبيرا. وأذكر أنني في أحد الأيام احتجت إلى طاولة إضافية فجعلت من ماكينة خياطة قديمة مصنوعة في معظم أجزائها من الحديد، طاولة غير تقليدية. ثم ما لبثت أن بعتها في نفس اليوم. بعد تلك الحادثة صرت أبحث عن ماكينات الخياطة القديمة في كل لبنان لكي أصنع منها أعمالا فنية قابلة للاستخدام”.
لوحات إبراهيم تعبّر عن قيامة ضجيج هائل نابع من صمت داخلي يعرف كيف يصعّد من وتيرة الأحوال النفسية
ثم جمعت هذه المساحة الصغيرة، التي تملك واجهة زجاجية بعضا من أعمال صاحب الصالة وأعمال لفنانين آخرين.
بعد ذلك أصبح، إضافة إلى كونه مساحة لعرض أعمال فنية قليلة، مكانا حميميا يلتقي فيه نعماني مع المهتمين بالفن والأصحاب حول فنجان قهوة يهمّه أن يصنعه بنفسه وبتروّ كأي عمل فني يحتاج الكثير من الشغف.
اليوم لم يزغ نعماني عن أسلوبه في تطوير كل ما يمت إلى الفن بصلة. آخر “تحوّل” شهدناه مؤخرا، إذ تحوّل المكان الذي يملكه نعماني إلى صالة فنية بالكامل بحضور عدد من الفنانين التشكيليين والأصدقاء المهتمين بالفن مع الحفاظ على التدابير الصحية المرتبطة بوباء كورونا.
ويخبرنا صاحب الصالة أنه ينوي المتابعة في عرض أعمال للفنانين، لأن الحياة يجب أن تستمر بطريقة أو بأخرى.
واختار نعماني الفنان سلوان إبراهيم ليفتتح معه ومع لوحاته صالته في بهجة لونية قد يستسيغ البعض حدّتها أو لا يستسيغها.
واللافت في أسلوب العرض أن صاحب الصالة استطاع أن يعرض عددا من أعمال الفنان المشهورة بضجيج ألوانها، دون أن يقلل من شأن أي لوحة على حساب أخرى أو يجعلها “تختنق” إلى جانب أخرى هي أقل ضجيجا لونا وتركيبا.
أول ما يشعر به الداخل إلى الصالة هو أنه دخل إلى ما يشبه عالم أليس في بلاد العجائب الحلو/ المر. وتعود ذاكرته إلى فصل محدد من الرواية حين تدخل أليس عالم أوراق اللعب وشخوصها المخيفة/ اللطيفة، وذلك من ناحية الألوا ن والتركيب والنمط الحركي الذي ينتشر في فضاءات لوحات إبراهيم.
فرح حزين
عالم إبراهيم لم يتغير لناحية أنه مكان يقترن فيه الحزن والفرح حتى حدود الالتباس في أحيان كثيرة. كما تنم لوحاته الفنية بشكل عام عن قيامة ضجيج هائل من قلب صمت داخلي عرف كيف يصعّد من وتيرة الأحوال النفسية الداخلية ويظهرها متداخلة مع بعضها البعض.
وعلى الرغم من الإيقاع الحركي الصاخب لشخوص الفنان المنتفضة والراقصة والسابحة والطائرة و”المتشقلبة” بهيئات بهلوانية متعددة في فضاء لوحاته، غير أن الناظر إلى الأعمال يجد نفسه يبحث في اللوحة وغناها التشكيلي وخلفياتها التاريخية وأبعادها الفكرية الشعورية واللاشعورية عن شخصية أسطورية تنتمي إلى الفولكلور الأوروبي، وهي “بائع الرمل” الذي يذري حبوب الرمل أو الغبار السحري في عيون الأطفال لكي يناموا.
“بائع الرمل السحري” الغائب بصريا في لوحات الفنان إبراهيم، لا بد أن يكون حاضرا في جميع كواليس لوحاته المفعمة بالحركة والتفاصيل والألوان المُتفجرة، لاسيما اللون الأحمر واللون البرتقالي، والأشكال الهندسية المسطحة أحيانا والمتطايرة في أحيان أخرى، علاوة على الشخوص المُركبة والقصور المُشيدة والجسور المُلتفّة على بعضها البعض والمتقطعة والمتمدّدة التي تبدو وكأنها في فضاء لوحاته عناصر تجمّدت وهي في عزّ انطلاقاتها، وذلك تحت تأثير سحر ساحر.
وكل ما تراه العين في لوحات الفنان من تفاصيل وأشكال هو في حركة تصاعدية على خلفية غالبا ما تبدو كأنها سماء هادئة ولو احتدت زرقة لونها.
هذا الصمت يحتضن كل هذا الضجيج المُتفجّر وهذا الغليان الذي تخرج منه الأشكال في بعض لوحاته كفقاعات تتنفّس الصعداء. غليان لا يُسمع له صوت، بل يُرى. يُرى، بل يُبصَر كما تُبصر الأفكار والمشاعر الأكثر عمقا في نفس الإنسان.
وسمة أخرى تكاد لا تفارق منجز الفنان، وهي الستائر الغرائبية التي تشير إلى العصف في اللوحات، كما تشير إلى الجمود في آن واحد. تخفي وتكشف أحيانا عمّا خلفها لتكون هي المسبّب الرئيسي لتفكّك أو تماسك عناصر اللوحة دون أن يؤدّي ذلك إلى أي خلل تقني/ فني، بل إلى خلل في نظام الوجود المُتخايل.
وسلوان إبراهيم من مواليد بيروت في العام 1964. بعد أن تابع دراسته في الهندسة لمدة ثلاث سنوات، تحوّل عنها لصالح دراسة الفن في الجامعة اللبنانية. له مشاركات فنية كثيرة في لبنان والعديد من يلدان العالم من بينها: إيطاليا، الولايات المتحدة، الإمارات وتونس.