الاتفاق النووي لم يعد مهمّا* خيرالله خيرالله
النشرة الدولية –
ليس مستبعدا توصل الولايات المتحدة وايران الى اتفاق في شأن العودة الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. تحبّذ الإدارة الأميركية الجديدة العودة الى الاتفاق الذي تمّ التوصل اليه صيف العام 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما والذي مزّقته إدارة الرئيس دونالد ترامب في العام 2018.
توجد حسابات تريد إدارة جو بايدن تصفيتها مع إدارة ترامب. هذا امر مفهوم وواضح. اكثر من ذلك، لدى كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية قناعة بأنّ ترامب ارتكب خطأ جسيما عندما الغى الاتفاق الذي توصّلت اليه ايران مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا، أي البلدان ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن وألمانيا.
حسنا، لنفترض عودة اميركا الى الاتفاق تلبية لطلب ايران ورغبتها. هل يعني ذلك إزالة كلّ العقوبات الني فرضتها إدارة ترامب على “الجمهوريّة الاسلاميّة”؟ المشكلة التي ستواجه الجانبين في غاية البساطة نظرا الى انّ كمّية العقوبات الاميركية على ايران كبيرة الى درجة يصعب معها ازالتها بشطبة قلم. فرضت إدارة ترامب ما يزيد على 1500 عقوبة مرتبطة بمسائل تتعلّق بالإرهاب وحقوق الانسان الخ…
الى جانب ذلك كلّه، لا تستطيع الادارة تجاهل الكونغرس بمجلسيه حيث توجد معارضة قويّة من الجمهوريين والديموقراطيين لايّ تساهل مع ايران. نتيجة هذا الوضع، ستضطر يران الى التراجع ولن تتمكّن من فرض شروطها على الإدارة الأميركية على الرغم من كل ما لديها من نيّات حسنة تجاه “الجمهوريّة الاسلاميّة”. هنا، تذكّر إدارة بايدن بإدارة أوباما التي لم تكن ترى سوى الإرهاب “الداعشي” متجاهلة ما تمارسه الميليشيات المذهبيّة التابعة لإيران، اكان ذلك في الداخل الإيراني او في العراق او في سوريا او في لبنان.
ثمّة عوامل كثيرة يبدو ان الإدارة الأميركية الجديدة مستعدّة لأخذها في الاعتبار وتصبّ كلّها في محاولة استرضاء ايران. من بين هذه العوامل التقارب الإيراني – الصيني والاتفاق الاستراتيجي الذي وقعته “الجمهوريّة الاسلاميّة” مع الصين أخيرا ومدته ربع قرن. صحيح ان تفاصيل الاتفاق لا تزال غامضة وتعكس في الوقت ذاته ضعفا إيرانيا، لكنّ الصحيح أيضا ان إدارة بايدن من النوع الذي يبدو قابلا للخضوع للعبة الابتزاز. لا تريد واشنطن ترك ايران للصين. لدى هذه الإدارة اولويّة اسمها الصين وتعتبر ان كلّ جهودها يجب ان تنصبّ على مواجهة التحدّي الصيني. ما يثير القلق ان إدارة بايدن قبلت متابعة المفاوضات مع ايران على الرغم من انّ الأخيرة مستمرّة في ممارسة سياسات ذات طابع عدائي في العراق وسوريا ولبنان، خصوصا في اليمن الذي تحوّل الى قاعدة صواريخ إيرانية. توجه ايران صواريخ وطائرات من دون طيّار الى اهداف سعودية، معظمها مدني. في المقابل، تكتفي الإدارة الأميركية بالتفرّج واظهار حرصها على حسن سير المفاوضات غير المباشرة مع “الجمهوريّة الاسلاميّة” في فيينا.
منذ هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسيّة الأميركية، سجلت ايران نقاطا كثيرة، لكنّها فشلت في الوقت ذاته في تحقيق أهدافها المعلنة. لعلّ اهمّ ما فشلت فيه رفع العقوبات الأميركية سريعا. هذا على الاقلّ ما كانت تعد نفسها به مع إدارة تسعى الى ان تكون نقيضا للإدارة السابقة. لكنّ الفشل الإيراني الأكبر يظلّ في انكشاف مدى هشاشة اقتصاد “الجمهورية الإسلامية” من جهة ومدى تأثير العقوبات الاميركيّة عليه من جهة أخرى.
بين 2015 تاريخ توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني والسنة 2021 التي تمارس فيها إدارة بايدن سياسات جديدة عبّر عنها افضل تعبير الانسحاب العسكري من أفغانستان في أيلول – سبتمبر المقبل، تغيّر العالم. هذا التغيّر هو الذي ترفض ايران اخذه في الاعتبار. تغيّر العالم الى درجة لا يمكن العودة الى الاتفاق في شأن ملفّها النووي من دون توسيع للاتفاق يشمل الصواريخ والسلوك الإيراني. هذه هي المعادلة الجديدة التي لا تمتلك “الجمهوريّة الاسلاميّة” القدرة على استيعابها، علما ان الأوروبيين حاولوا افهامها ذلك بطريقة او بأخرى في غير مناسبة.
تتصرّف الإدارة الأميركية الجديدة بطريقة تغري ايران التي تأمل بالاستفادة الى ابعد حدود من التوتر في العلاقات الأميركية مع كلّ من الصين وروسيا. واضح ان الصين باتت تراهن على السوق الايرانيّة الكبيرة وعلى قدرتها في مجال الحصول على الطاقة بأسعار اقلّ بقليل من أسعار السوق. واضح أيضا انّ روسيا تمرّ في حال من التخبّط في ظلّ عجز الرئيس فلاديمير بوتين عن الاقتناع بانّ الاتحاد السوفياتي ولّى الى غير رجعة.
ايّا يكن مدى التراجعات الأميركية في المنطقة والعالم، لن يكون امام ايران من خيار آخر غير خيار التعاطي مع الواقع بدل الهرب منه. الصين مهمّة، بل مهمّة جدا، لكن للصين حساباتها أيضا وهي تتجاوز “الجمهوريّة الاسلاميّة” التي لم تستطع بناء اقتصاد قابل للحياة. في ظلّ نظام الوليّ الفقيه، أصبحت ايران اكثر اعتمادا على النفط والغاز مما كانت عليه أيام الشاه الراحل. كان آية الله الخميني، مؤسّس “الجمهوريّة الاسلاميّة” يدعو الى بناء اقتصاد لا يكون تحت رحمة النفط والغاز. اذا باقتصاد ايران في السنوات الأربعين الماضية رهينة النفط والغاز اكثر من ايّ وقت.
ما يختزل الفشل الإيراني غياب أي قدرة على تقديم نموذج لنظام يطمح أي بلد من البلدان الى الاقتداء به. اذا بالنظام الإيراني ينتقل من فشل الى فشل وليس لديه ما يغطي به الفشل غير تصدير ازماته الى خارج حدوده.
لعبت ايران كلّ الأدوار المطلوبة منها من اجل تدمير العراق وسوريا ولبنان واليمن. كادت ان تدمّر البحرين في مرحلة معيّنة.
لن تنقذها العودة الى الاتفاق النووي ولا المتاجرة بشعارات مرتبطة بالقضيّة الفلسطينية وإزالة إسرائيل من الوجود. ما يمكن ان ينقذ ايران هو ان تتصالح مع نفسها ومع محيطها وان تتوقّف عن تهديد جوارها العربي خصوصا. في النهاية لا يمكن لـ”الجمهورية الاسلاميّة” لعب دور القوة المهيمنة إقليميا من منطلق ان لديها ما تعطيه من شهادات سلوك حسن الى جوارها… باستثناء الميليشيات المذهبيّة. لم يعد الاتفاق النووي مهمّا بمقدار ما المهمّ السلوك الإيراني داخل ايران وفي المنطقة والعالم.