البرلمان مكان سام للعمل* كرم نعمة
النشرة الدولية –
من بين أشهر الصور التي نشرت قبل سنوات، كانت لبرلمانية إيطالية تصطحب ابنتها الصغيرة إلى جلسات البرلمان الأوروبي، لأنها ترفض تركها في المنزل لمن يعتني بها.
ليسيا رونزيلي وابنتها فكتوريا كانتا تشدان العدسات على مدار دورة برلمانية كاملة لفرط اندماج الطفلة مع التصويت عندما كانت ترفع يدها بالموافقة مثل والدتها، أو انشغالها بالرسم بينما أمها تمارس مهمتها السياسية ممثلة عن الحزب الشعبي الأوروبي.
لكن أرشيف صور الصغيرة فكتوريا على دهشتها لا تمحي حقيقة أن البرلمانات في العالم مكان سام للعمل، بغض النظر عن ديمقراطيتها!
فصورة العراك بالأيدي وتبادل الشتائم والصراخ ليس التعبير الوحيد المثير للاشمئزاز. ثمة ما هو أكثر من ذلك يتمثل بالدسائس والصفقات التجارية غير المشروعة والتواطؤ مع لوبيات الفساد والتحرش الجنسي والنفاق وتبادل الابتسامات المفتعلة.
الأسبوع الماضي انتشرت أخبار مريعة عن قيام ثلاثة برلمانيين في الولايات المتحدة وأستراليا بالتحرش واغتصاب عاملات داخل البرلمان. الأمر الذي دفع أحدهم إلى الاستقالة، فيما يدفع الآخران ثمنا سياسيا واجتماعيا لفعلتهما.
وغالبا ما تشير الإحصائيات إلى أن مباني البرلمانات تتقدم على أماكن العمل الأخرى التي يرتفع فيها منسوب التحرش الجنسي.
وتعزو ذلك إلى زيادة عدد الرجال على النساء حيث يشغل الرجال نسبة 75 في المئة من المقاعد في البرلمانات العالمية في المتوسط، وهو ما يسميه الباحثون “المناخ التنظيمي” الذي يتسامح بشكل فعال مع التحرش. إذ يفشل المسؤولون في النهاية بحماية المشتكين أو معاقبة الجناة أو التعامل مع الشكاوى على محمل الجد.
إذا كنا لا نعول كثيرا على البرلمانات العربية بوصفها مصدرا جادا للتغيير والدفاع عن حقوق الشعوب، فإن الصورة الغائبة عن فساد هذه البرلمانات لا يمكن أن تغيب، بيد أن البرلمان العراقي يمثل أنموذجا تاريخيا للفساد وتبادل الصفقات وشراء الأصوات والمواقف.
يمكن أن تستخلص كل شيء من أروقة البرلمان العراقي، إلا الدروس السياسية! فمرت على هذا البرلمان مجموعة من الأميين ورجال الدين الطائفيين ومزوري الشهادات الجامعية وتجار صفقات بمبالغ كبيرة وأشخاص بلا ولاء وطني يتواطأون من أجل مصالح أنانية شخصية.
هناك حكاية شهيرة لأحد أعضاء البرلمان العراقي أعلن فيها بشكل صريح وجازم على الشاشة بأن جميع أعضاء البرلمان وهو أحدهم من اللصوص والفاسدين، وإذا وجد غير ذلك فهو مجرد عضو متشبث بالامتيازات.
اعترف هذا البرلماني كيف قبل رشوة مقابل التواطؤ على قرارات متعلقة بمصير الشعب، وأكد أنه مثال على جوقة الفاسدين!
في المدونة الأولى للبرلمان، أي برلمان، أنه يعمل من أجل تعزيز الحكم الرشيد ومنع تفشي الفساد، لكن يمكن رؤية الحقيقة المختلفة بمجرد مراقبة ما يجري في البرلمان العراقي بوصفه المكان الأكثر سميّة على العراقيين!