مسلسل ماليّ رمضانيّ طويل* البروفيسورة ندى الملّاح البستانيّ

النشرة الدولية –

لبنان 24 –

كم تشتدّ رغبتنا في أن يكون سيناريو انهيار البلد من مقياس المسلسلات الرمضانيّة الّتي نعرف ضمنًا أنّه حتّى لو بلغت الإثارة فيها ذروتها، فلا بدّ للمخرج أن يضع حلقاتها ضمن إطار الشهر الواحد. للأسف، نجد أن بعضهم قد يميل إلى تبنّي إضافة أجزاء متعدّدة وكأنّنا أمام مسلسل من غير نهاية. فكاتب سيناريو الأزمة اللبنانيّة لا ينفكّ يُضيف عناصر جديدة وثانوية على القصّة الأساسيّة بمعنى أو من دونه، وذلك بعد نجاح تثبيت سعر الصرف في التسعينيّات حتّى نهاية العام 2019

ففي أثناء متابعتنا هذه الدراما، تظهر لنا فجأةً حلقة رفع رؤوس أموال المصارف اللبنانيّة ومن ثمّ تختفي. بعدها، ومن حيث لا ندري، تُضاف حلقة منصّة المصرف المركزيّ لأسعار الصرف الّتي ما زلنا ننتظر ولادتها، في حين يدعو مصرف لبنان البنوك المحليّة  الى تأمين احتياطاتٍ بالعملة الأجنبيّة في مصارفها المُراسِلة تطبيقًا لتعميمه رقم 567 كما أنّ ظهور فكرة “زيادة رأس المال” الثانويّة، هي مجرّد عمليّة ترتيب القوائم الماليّة للمصارف اللبنانيّة، لإعادة تقييمها بشكلٍ أفضل، تحضيرًا لبيعها ودمجها وتصفية بعضها. أمّا تلفيقة استبدال الودائع بعقارات مضخّمة في قيمتها، أو التشجيع على الاستثمار في الأدوات الماليّة وتسجيل نتائج هذه العمليّات هامشًا يُرحَّل لزيادة رأس المال، فكانت تمثيليّة بمعناها الحرفيّ.

يجدر الذكر أنّه مهما نجح أيّ مسلسل في أجزائه الأولى، لن يستطيع الحفاظ على رونقه، فاسترجاع بعض لقطات الـ (Flashback) “أيّام الألف وخمسة” لن يُعيد بطل المسلسل إلى الحياة. كذلك، حفظ الودائع على الورق، وجعلها أرقام تظهر هنا وهناك، لن يوقِف عمليّة خسارة قيمتها الفعليّة مع الزمن. ومهما حاول كاتب السيناريو فعله، فإنّ استرجاع البطل الحقيقيّ (الدولارات النقديّة) إلى الحياة يبدو من سابع المستحيلات، كون ذلك يتطلّب تغييرًا جذريًّا أبعد من مخيّلة الكاتب ومقدِراته، إذ ثمّة عوامل متكاملة لنجاح مسلسله: محاربة الفساد، وتنفيذ خطط متعلّقة بالإصلاح الإداريّ والماليّ والاقتصاديّ.

إنّ ما يحصل في عمليّة الهيركات المطبّقة على العائلات الأشدّ حاجةً، عندما تُصرَف المساعدات القادمة بالدولار الأميركيّ وفق سعر 6400 ليرة لبنانيّة، وتقتطع الحكومة ما يقارب الـ 30% من قيمة القرض ليستفيد مصرف لبنان من بعض السيولة النقديّة بالعملات الأجنبيّة الإضافيّة، هي أشبه بعمليّة استبدال البطل بالممثّلين الكومبارس، واستبدال سعر الصرف القديم بأربعة إلى خمسة أسعار صرف متفاوتة هي فعلًا مدعاة “للفرجة”.

إنّ مَن يستميت في “تسمير” المواطن اللبنانيّ أمام مشاهد فارغة، لا يهمّه سوى منفعته الشخصيّة، وضمان إبقاء بصيص أمل لدى المواطن قبل أن ينتفض ويحدّد نهاية المسلسل المُميت على طريقته. فلو أراد القائمون على هذا المسلسل مصلحةَ اللبنانيّ، لاتّفقوا وقدّموا بعض التنازلات لمصلحة البطل الحقيقيّ، وصرفوا المساعدات على المحتاجين بالدولار الأميركيّ، بمل يعود بفائدة مضاعفة على المواطنين، ما  تمكّنهم من قوّة دفع شرائيّة أقوى من ناحية، وتُغرِق السوق بملايين الدولارات الأميركيّ “الكاش” من ناحية أُخرى.

كلّ شيء يُنبئ أنّ “دراما” المشهد اللبنانيّ تجد نفسها أمام أُفقٍ مسدود، إذ مع نجاح الأجزاء الأولى في تثبيت سعر الصرف مقابل الدولار الأميركيّ، وجد كاتب المسلسل نفسه مجبرًا على ابتكار شخصيّات ثانوية لأسعار الصرف، لا دور لها سوى إطالة تململ المواطن، وزيادة ألمه الداخليّ في بحثه عن “نهاية سعيدة”، في حين أنّ المُخرِج لا يعرف كيف يستردّ أيّ وديعة في القريب العاجل.

يجب على فريق إعداد المسلسل أن يطرح سيناريو لبنانيّا مشوّقا يولّد استقرارًا وتطوّرًا وأمانًا، ويحثّ على توسيع رقعة المهتمّين به، ليساهموا بدورهم في زيادة نسب “المتابعة” الدوليّة… الأمر الّذي سيحثّ المستثمرين على الحضور بدورهم ضمن الإطار اللبنانيّ الّذي سيستقطب الشرق والغرب، ويحفّز الاستثمارات والنموّ الاقتصاديّ المستقرّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button