مع تواصل الأزمة السياسية في لبنان دون مؤشرات انفراج وشيكة… عندما يسقط القضاء.. تتحلل الدولة ويسود الشقاء والإقصاء
النشرة الدولية –
لبنان 24 – عبدالرزاق القرحاني –
تتواصل الأزمة السياسية في لبنان دون مؤشرات انفراج وشيكة، إذ يطغى التوتر على العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، وبين التيارات والتكتلات البرلمانية والمكونات السياسية والروحية اللبنانية، بالاضافة الى التوترات الاجتماعية والإقتصادية والأمنية التي أصبحت عنواناً دائما على صفحات وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
ومؤخراً، ظهرت مشكلة جديدة لا تقل خطورة ومحورها القضاء، الذي رضي بعض أركانه أن يكون اداة بيد مرجعياته السياسية، وأصداء للرسائل التي يتقاذفونها لحسابات شخصية وحزبية غير آبهين ومهتمين بواقع مرير أصاب العباد والبلاد .
إننا أمام مشهدية سيذكرها التاريخ في سجلات عهد قوي عمل على تقويض مؤسسات الدولة بالتعاون مع الحليف والصديق والشقيق، ومع من كان بألأمس القريب شريك.
إننا أمام مشهدية إنهيار مؤسسة يأوي إليها الشعب عادة، لحفظ إنسانيته ورعاية حقوقه، وصون كرامته، وهي التي تشعره بهيبة دولته التي يعيش في كنفها، وبالتالي تجعله يتمسك بوطنه ووطنيته.
فالدولة التي لا تستطيع أن تؤسس وتحافظ على قضاء مستقل، لا تستطيع أن تحافظ على وجودها واستقلالها، ولا طمأنة شعبها، ولا إرساء موازين العدل والحق، ومحاربة الفساد والظلم فيها.
إن ما نشهده من إصرار على اختلال الموازين في القضاء، الذي اصبح ظاهراً للعيان، وعبر وسائل الإعلام وعلى كل لسان.. يكرس اختلالا للاستقرارالعام، لأن اهتزاز صورة القضاء، وفساد بعضه، سيؤدي إلى ذهاب هيبته، وربما الخروج عليه، مع غياب العدل والمساواة، وانتشار صور الظلم والمحسوبية، مما سيزيد من سوء الأحوال، وتفاقم من الشكوى والتذمر، ويرفع منسوب الخوف والقهر، المصحوب بفقدان الأمن والأمان، وبهذه الحالة، ستكون العلاقة بين النظام والشعب متوترة، قائمة على التوجس والخوف، وسوء الظن، وهي أجواء خانقة قاتلة، لكل أنواع الحياة.
وفساد القضاء، ليس محصوراً بإنتشار الظلم، وغياب العدل، بل ما نشهده من ” ملفات غب الطلب” إرضاء لبعض النافذين أو حرتقة على بعض المنافسين، تارة بإسم القوانين وتارة بإسم الأخلاق والدين، والحفاظ على أموال المودعين. كل هذا إن لم يكن بأيدي قضاة مستقلين، لا يتعدى كونه إستثمارا رخيصا من قبل الفاسدين المتناحرين..
فالنظام السياسي الفاسد، يبحث عن قضاء فاسد مثله، كي يغطي على فساده، ويبرئ ساحته، ويخلي طرفه من أي تهمة، وبالتالي هلاك للدولة وتعميم للبلوى، كما ذكرها إبن خلدون في مقدمته: ” فساد القضاء يفضي إلى نهاية الدول”.
نعم، فساد القضاء يعني فساد الحكم، فساد السياسة، فساد الاقتصاد والاستثمار والتجارة، فساد التربية، فساد المجتمعات، وضياع الأخلاق، وتفكك الأسر، وبمعنى أدق فساد القضاء منبع كل شر وفساد، لأنه الجهة التي يفترض فيها صون الحقوق، وحماية الناس، وحماية ممتلكاتهم وأعراضهم، وإقامة ميزان العدل والحق، فإن فسد وفقد مكانته وهيبته، وغدا مرتعاً للظلم والباطل، والمحسوبية والرشوة، فإن هذا مدعاة لفساد غيره، من مؤسسات الدولة وأجهزتها.
وأمام حالة الدهشة والتنديد الواسع بما جرى، هل سنكتفي بهذا التنديد، أو أننا سنرفض هذا الواقع الأليم، ونسعى ونعمل بكل جد على عدم اطالته او التمديد له.