عندما يتحدث الأرمن عن الإبادة الجماعية* حمزة عليان
النشرة الدولية –
دبلوماسي ينتمي لآسيا الوسطى يعمل في الكويت جمعته جلسة اقتصرت على عدد من السفراء العرب والإعلاميين ورجالات من الجالية الأرمنية، وكان النقاش يدور حول الذكرى السنوية للإبادة الجماعية للأرمن والتي تصادف يوم 24 من أبريل كل عام ..
استفز هذا الدبلوماسي الحضور بتوجيه سؤال في معرض الاستهجان، ماذا يريد الأرمن بعد؟ نالوا “دولة ذات سيادة” ولديهم سفارات ومصالح مع الجيران والعالم، ومع ذلك ما زالوا يتحدثون عن “الإبادة” و”حق العودة” و”التعويضات” أليس في ذلك مدعاة للتخوف؟
صحيح أن أرمينيا أصبحت واقعاً ومعترفاً بها كدولة ذات سيادة لكنها واجهت انتكاسة صعبة بعدما خذلها حلفاؤها الروس والإيرانيون لصالح الجار الأقوى وهو تركيا ولمصلحة أذربيجان في معركة التنازع على “إقليم قره باخ” قبل أشهر ..
الأمر الآخر هو، هل الحصول على كيان معترف به يلغي حق الأرمن بالمطالبة بالاعتراف بجريمة ذهب ضحيتها أكثر من 1.5 مليون من أصل ثلاثة ملايين تقريباً كانوا يعيشون في أقاليم وولايات السلطنة العثمانية، الأرمن لديهم قناعة تقوم على الثبات بوقفتهم الجماعية وعدم تنازلهم أو تراجعهم عن هذا الحق.. وفي ذاكرة كل أرمني صورة من الوحشية والتعذيب تعرض لها أجدادهم يتداولونها في مجالسهم الخاصة من الصعب أن تمحى أو يتم تجاهلها.
إذا إلتقيت بأحدهم يبادرك بالقول نحن نتذكر ونطالب، فما تعرضنا إليه كان بسبق الإصرار والتعمد، فهذه “إبادة” وليست “مجزرة” وبالتالي هناك 32 دولة في العالم إعترفت بتلك الإبادة ومن بينها أميركا وكندا وروسيا والبرازيل وألمانيا وإيطاليا ولبنان بالطبع.
والحدث الذي ينتظره الأرمن هذه الأيام سيكون إعتراف الرئيس جو بايدن بالإبادة بعدما أقر الكونغرس بمجلسيه الاعتراف عام 2019.
بالتأكيد الرواية التركية مناقضة تماماً لرواية الأرمن، فهم لا يقرون بالأرقام ولا بالقتل المتعمد والممنهج وبالتالي لا يرتقي ما حصل إلى وصفه “بالإبادة” .
تاريخ 24 أبريل 1915، في هذا اليوم يحيون الذكرى عندما اعتقلت السلطات العثمانية 240 من القادة الأرمن في القسطنطينية ورحلتهم شرقاً وكان ذلك بداية الإبادة الجماعية.
أما قصة “تقرير طلعت باشا” فهذا يحتاج إلى وقفه، فقد كان يشغل منصب وزير الداخلية خلال عامي 1915 و 1916 وهو الذي أشرف على عمليات القتل تحت ستار “إجراءات أمنية” وفي نهاية عام 1916 أمر بإجراء تقييم لعمله فبعث ببرقية إلى 34 مقاطعة طالباً معلومات مفصلة عن حضور الأرمن في مختلف أنحاء السلطنة . فقد أراد أن يعرف كم من الأرمن يقيم في كل ولاية، وتبين وفقا ً لأرقام طلعت باشا التقديرية أنه كان نحو 1.150 مليون وأن 77% قد فارقوا الحياة بين 1914 و1918. ووفقاً لهذا لتقرير مات أكثر من مليون عثماني – أرمني بين 1914 و1917 ووزع من تبقى على المقيمين في السلطنة والغالبية العظمى منهم هجروا عام 1915 والأكثرية قتلوا إبان المسيرات القسرية.
قد يكون هناك أوجه شبه بين وضع الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم على يد اليهود وبين وضع الأرمن وتهجيرهم. والشعبان تعرضا للقتل الجماعي واقتلاعهم من أراضيهم وباتوا في بلاد الاغتراب… الفارق أن الأرمن استعادوا دولة ذات سيادة، علماً أن هناك ما يزيد عن عشرة ملايين من الأرمن في “دياسبورا” بينما الفلسطينيون يعيشون في مساحة ضيقة جداً تؤوي نحو 4 ملايين وتحت الاحتلال الٍإسرائيلي وهم اليوم باتوا محاصرين ومطوقين ليس فقط من إسرائيل بل من دول عربية تجاوزت حقهم بالعودة وبالتعويض وبالدولة.
ما يسعى إليه الأرمن هو المزيد من اعترافات الدول بالإبادة الجماعية، وهي في النهاية وسيلة ضغط على تركيا وقد تكون ورقة مساومة تحمل الوجهين لدولة مثل أميركا، فاعتراف جو بايدن يرضي اللوبي الأرمني في عموم أميركا وفي نفس الوقت يلوح لأردوغان بورقة “الإبادة” وهو الموقف الذي لم يوافق عليه سلفه دونالد ترامب.
الواقع أن هناك دولاً أقدمت على الإبادات الجماعية أثناء استعمارها لبلدان أخرى، وبخلاف اليهود الذين حصلوا على تعويضات من ألمانيا بعد اعترافها واعتذارها عن محرقة “الهولوكوست”، تفادى الصرب من يوغسلافيا وصف ما حدث في البوسنة عام 1995 بأنه إبادة جماعية .
ويبقى السؤال قائماً، هل “الاعتذار” وحده يكفي أم أن هناك خطوات تستتبع ذلك؟ أيا كانت النهايات والأحلام التي تراود الأرمن هناك حقائق على الأرض باتت من المسلمات وبالتالي الحديث عنها سيكون غير ذي جدوى.