إبادة الأرمن بين الاعتراف والإنكار* حمزة عليان
النشرة الدولية –
يراهن عشرة ملايين أرمني يعيشون في “الدياسبورا” على قرار الرئيس جون بايدن المرتقب والذي نشرته وسائل إعلام أميركية مؤخراً والتزم به أثناء ترشحه وهو الاعتراف بالإبادة الجماعية التي تعرض إليها الأرمن عام 1915 وراح ضحيتها 1.5 مليون إنسان، وهذا ما تم تأكيده في أول اتصال يجري بين الرئيسين أردوغان وبايدن، وفي حال تم هذا الإقرار سيكون بايدن أول رئيس أميركي يعترف بالإبادة الجماعية.
الاتجاه العام الذي تسير عليه السياسة الخارجية والمهتمة بحقوق الإنسان بالدرجة الأولى، يتماشى مع مواقف الإدارة الأميركية وفريقها في الخارجية، وهو يأتي مع إقرار مجلس النواب والشيوخ بالإبادة الجماعية عام 2019.
لقد اعترفت 32 دولة ذات سيادة في العالم حتى الآن بالإبادة الجماعية للأرمن وبما في ذلك أميركا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا والبرازيل.. وكل ذلك يدعم موقف الأرمن كأداة ضغط متواصلة على الأتراك ليبقى هذا الملف مفتوحاً، ويمنح إدارة بايدن ورقة ضغط بوجه حكم أردوغان والذي يستعد للمنازلة مع ما تبقى له من أصدقاء في حزب الناتو.
إذا وضعنا الرواية التركية جانباً، وهي الطرف المعني والموجه إليه الاتهام وباعتبار أن هذه الرواية تشكك أولاً بالأرقام وتنفي عن السلطنة العثمانية إقدامها على “قتل متعمد” بل تعتبر أن ما حصل لا يعدو أن يكون حرباً أهلية حدثت فيها “مجزرة” وبفعل تدخلات خارجية! لكن وفق القوانين الدولية يجب على من تسبب بالإبادة أن يقدم “اعترافا” مشفوعاً “بالاعتذار”، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على سبيل المثال لم يقدم اعتذراً عن استعمار بلاده للجزائر بل اتخذ إجراءات رمزية للتأكيد على “الاعتراف” بالواقع الاستعماري القاسي بعد أن فتحت الدولة أرشيفها الخاص بالحرب وأفرجت عن الوثائق.
ألمانيا هي الأخرى “اعتذرت” عن المجازر الجماعية بحق اليهود على يد النازية “محرقة الهولوكوست” وأتبعت ذلك “بالاعتراف” الذي أعطى لإسرائيل الحق بتعويضات مالية وبأرقام خيالية ما زالت ألمانيا ملتزمة بها حتى اليوم.
الأرمن وبحسب الطابع المستمر لجريمة الإبادة الجماعية يحق للناجيين منها وللورثة من الضحايا أن يقدموا إلى الأمم المتحدة طلبات للتعويض! كما يعتقد الأرمن أنه بخلاف محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية وإنزال عقوبات جنائية بحقهم، لهم الحق المطالبة بالتعويضات كما هي الحال بالنسبة إلى اليهود الناجين من المحرقة.
يبدو أن مسألة التعويضات لم تعد قضية هامشية بل محل اهتمام ودراسة ومتابعة خاصة من “اللوبيات” القوية والموجودة في أميركا وكندا وأوروبا وإن كان يدرك هؤلاء أن مطلب التعويضات لن ينجح كما هي الأراضي والأملاك التي أصبحت ضمن سيادة الدولة التركية.. ربما كان عامل الوزن هو الكفيل بتغير التحالفات وموازين القوى ويدفع بإحدى الدول العظمى لتبني هذا النهج، وعلى مدى العقد الماضي، ظهرت حركة للمطالبة بالتعويضات في إطار “حقوق الإنسان” وضعت خطاً فاصلاً بين “الأضرار الدائمة” والمتصلة بالقتل والتعذيب والاغتصاب وبين “الأضرار المادية” والخاصة بالممتلكات.
وبالرغم من سقوط “معاهدة سيفر” الموقعة عام 1920 التي وقعتها السلطنة العثمانية وما تلاها من اتفاقيات وإبطال تلك المعاهدة ما زال الأرمن متمسكين بتعهد الرئيس “وورد ويلسون” والذي أقر لهم بحدود “دولتهم المفقودة والموعودة”! علماً أن “معاهدة لوزان” عام 1923 جاءت بديلاً لمعاهدة سيفر وألغت ما قبلها.
معظم المؤرخين يتفقون من غير الأتراك على أن السلطنة العثمانية نفذت عام 1915 جريمة قتل جماعي “ممنهج ومتعمد” راح ضحيتها 1.5 مليون أرمني وهو ما يتوافق مع تعريف “الإبادة الجماعية”، والذي تبلور كمصطلح على يد العالم البولندي “رافائيل ليمكن” عام 1944 ليصف أفعال النازية في الحرب العالمية الثانية.
“بنيامين فالنتينو” أستاذ مساعد لمادة أنظمة الحكم في كلية “داماوث” الأميركية استحدث تعريفا جديدا مفاده أن الإبادة الجماعية تعني القتل العمد لعدد من البشر غير المنخرطين في الأعمال الحربية، يقتضي أن يكون عدد الضحايا 50 ألفاً وما فوق!
الإبادات الجماعية قد تترجم إلى إجراءات فعلية كالمحاكمات التي جرت لزعماء الصرب الذين أقدموا على إبادة جماعية للمسلمين في البوسنة والهرسك أو تبقى حبراً على ورق وتتحول إلى “ذكرى” سنوية تشد أزر أصحاب القضية إلى أجل غير معلوم.
أسماء “المجازر” و”المذابح” و”الجرائم ضد الإنسانية” سجلها التاريخ وحفظتها الذاكرة وفي صفحاته قائمة طويلة تبدأ من “راوندا” إلى “كمبوديا” إلى “فلسطين” وغيرها، وهي صفحات سوداء ملطخة بدماء الأبرياء.