الاعتراف الأمريكي بالإبادة الأرمينية هل سيولد عواقب قانونية بحق أنقرة؟* د. دانيلا القرعان
النشرة الدولية –
الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن هو الاعتراف الرسمي أن المجازر المنهجية والترحيل القسري للأرمن الذين ارتكبوا من قبل الدولة العثمانية منذ 1915 حتى 1923 يمثلون إبادة جماعية. الغالبية العظمى من المؤرخين وكذلك المؤسسات الأكاديمية التي تقوم بدراسة الهولوكوست والإبادة الجماعية تعترف بأن ما حصل للأرمن كان إبادة جماعية، ولكن رغم الاعتراف بالطابع الإبادي للمجزرة التي ارتكبت بحق الأرمن في المجال البحثي وأيضاً في المجتمع الحضاري، بعض الحكومات ما زالت مترددة لأن تعترف رسمياً أن عمليات القتل كانت إبادة جماعية بسبب قلق سياسي بشأن علاقاتهم مع جمهورية تركيا، الدولة التالية للسلطات العثمانية الإمبريالية التي ارتكبت الإبادة. حكومتا تركيا وحليفتها الوثيقة أذربيجان هما الوحيدتان اللتان ترفضان مباشرةً الصحة التاريخية للإبادة الجماعية الأرمينية، وكلتاهما تعارض بإصرار الاعتراف بالإبادة من قبل دول أخرى، مهددتان بعواقب اقتصادية ودبلوماسية للمعترفين.
مع احياء الأرمن الذكرى السادسة بعد المئة للمجازر التي ارتكبها العثمانيون بحق أسلافهم إبان الحرب العالمية الأولى، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن اعتراف الولايات المتحدة بإن ما حدث إبادة جماعية، لكنه ليس الرئيس الأول للولايات الامريكية الذي اعترف بالإبادة الجماعية بل سبقه الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي لكنه جاء في سياق خطاب وليس اعتراف رسمي.
هذه الخطوة الاعتراف ليس لها عواقب قانونية، والبيانات بدون التزامات قانونية لن يكون لها أي فائدة، لكنها ستضر بالعلاقات التركية الامريكية، وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تجعل العلاقات أكثر سوءا فإن هذا القرار يعود لهم، لكنه يعتبر انتصار معنوي هائل للشعب الأرمني، إلا أن هذا الاعتراف سيغضب أنقرة التي تصر على عدم وجود إبادة، وأن الطرفين ارتكبا فظائع خلال الحرب. إضافة أخرى أن هذا القرار معنوي وليس له أي سند قانوني، لأنه لا يجرم من ينكر بهذه الإبادة على غرار بعض القوانين الأوروبية.
لماذا بادر بايدن الى الاعتراف بالإبادة الارمينية؟ بادر بايدن بالاعتراف بالإبادة، أولا لأنه كان يريد من خلال حملته الانتخابية ان يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن، وأنه سيجعل حقوق الانسان أولوية قصوى لأدراته حتى لا تحدث مثل هذه المأساة مرة أخرى، وليؤكد أن جهود هذه الجالية على مر العقود لن تضيع سدى وتذهب هباء. وأنه يمكن استخدام هذا القرار للضغط السياسي على تركيا باعتبارها الوريث الشرعي للدولة العثمانية لدفع تعويضات لأرمينيا على هذه الجرائم، واسترداد جميع الأراضي الأرمينية التي استولت عليها الإمبراطورية العثمانية آنذاك. ولأن العلاقات الامريكية التركية مؤخرا يشوبها الكثير من التوتر والفتور حول بعض الملفات الساخنة ومن بينها بعض الملفات المدرجة في الشرق الأوسط. إضافة أخرى أنه خلال السنوات الأخيرة تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب شراء أنقرة نظاما دفاعيا جويا من روسيا -الخصم الرئيسي للحلف الأطلسي – وتوغلاتها ضد المقاتلين الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة في سوريا. كما انتقدت إدارة بايدن أردوغان بسبب رهاب المثلية بعد أن استخدم المسؤولون لغة تقلل من شأن مجتمع المثليين والسحاقيات والمتحولين جنسيا خلال التصدي لاحتجاجات.
الاعتراف بمصطلح الإبادة الجماعية من قبل الرئيس يؤدي إلى قيام مواطنين أمريكيين من أصل أرمني بتقديم مطالبات بالتعويض المالي والمطالبة بالممتلكات ضد تركيا، وفي الماضي رفض القضاة بعض دعاوى التعويض والممتلكات المرفوعة في الولايات المتحدة لأن “السلطة التنفيذية لم تقبل ادعاء الإبادة الجماعية”. والرؤساء الأمريكيين “يتجنبون اتخاذ هذه الخطوة لأنهم يخشون أنه إذا أدرجوا مصطلح الإبادة الجماعية في بياناتهم، فسوف يصبح هناك وفرة في الدعاوى القضائية ما يؤدي إلى تسمم العلاقات مع تركيا”. لن يحدث شيء بشكل مباشر بعد الإعلان، إلا أنه يفتح الباب أمام “عملية مظلمة لا يمكن التنبؤ بها”.
إذا كان محتوى البيان يخلق أساسا قانونيا لأرمينيا للمطالبة بالتعويض وحتى بأراض من تركيا، فإن عقوبات الكونغرس التي تم سنها على المدى المتوسط، يجب أن تكون ملزمة لأحكام التطبيق بشكل أسهل”. ومثل هذا الوضع يذهب إلى حد التشكيك في شرعية تركيا، إذا جاز التعبير، بالإضافة إلى أنه قد يمهد لجهود أرمنية للحصول على الممتلكات والأراضي في المستقبل القريب. وتشكل مسألة الاعتراف الدولي من قبل الدول الاوروبية بأن مجازر الأرمن كانت إبادة جماعية حساسية ومصدر توتر وقلق شديد بين تركيا وأميركا والغرب.
وفي 20 أبريل 1965 كانت الأوروغواي أول بلد يعترف بإبادة الأرمن. وأقر البرلمان الأوروبي بالإبادة الأرمنية في 1987.وفي 2001 أقرت فرنسا قانونا يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن، وأقيم يوم وطني لإحياء ذكرى الإبادة لأول مرة في 24 أبريل 2019. غير أن فرنسا لا تجرم إنكار الإبادة، خلافا لسويسرا وقبرص وسلوفاكيا. وصوتت برلمانات حوالي ثلاثين دولة على قوانين أو قرارات أو مذكرات تعترف صراحة بإبادة الأرمن، هي ألمانيا والأرجنتين والنمسا وبلجيكا وبوليفيا والبرازيل وكندا وتشيلي وقبرص والولايات المتحدة وفرنسا واليونان وإيطاليا ولبنان وليتوانيا ولوكسمبورغ وباراغواي وهولندا وبولندا والبرتغال وروسيا وسلوفاكيا والسويد وسويسرا والأوروغواي والفاتيكان وفنزويلا. ومن البلدان التي صوتت مؤخرا على قرار يعترف بالإبادة هولندا عام 2018 والبرتغال عام 2019. كذلك أصدر مجلس النواب الألماني قرارا بهذا الصدد في 2016 وصفته المستشارة أنغيلا ميركل بأنه غير ملزم. وفي 24 أبريل 2015، فيما كانت أرمينيا تحيي مئوية الإبادة، وصف البابا فرنسيس ما حدث بأنها “أول إبادة في القرن العشرين”.
هنالك تفاوت في مواقف الدول الأوروبية من موضوع الإبادة كما ذكرت فرنسا تقر وتعترف بالابادة إلا أنها لا تجرم قانونا من ينكر الإبادة، وكذلك المانيا تعتبره غير ملزم، وحتى الرئيس الأمريكي جو بايدن اعترافه غير ملزم قانونا لتركيا وانما هو أسلوب ضغط سياسي عليها، وتركيا في حال اعترفت بهذه الإبادة فإن ذلك يهدد تقسيم أراضيها لأنها عندئذ تكون ملزمة بإرجاع المساحات التي احتلتها واستولت عليها من الضحايا.
وأرمينيا في حال الاعتراف الأمريكي بشكل قطعي وملزم والاعتراف الدولي وكذلك الاعتراف التركي فإنها تستغل ذلك قانونيا باستعادة المساحات والأراضي التي احتلتها تركيا من الضحايا