تآكل رواتب موظفي المصارف اللبنانية.. وإداراتهم “ترشوهم” من المال العام!

النشرة الدولية –

المدن – عزة الحاج حسن

تُحاك في كواليس إدارات المصارف خطط، وتوضع آليات لإغراء الموظفين وإسكاتهم عن أزمة انهيار رواتبهم، وتراجع قدرتهم المعيشية. تحاول إدارات المصارف أن تشتري رضى العاملين لديها بعطاءات أقرب إلى “الإكراميات” منها إلى زيادة غلاء المعيشة. لم ترفع رواتب موظفيها، ولم تعوَض عليهم خسائرهم وتضحياتهم على مدار عشرات الأعوام. بل سلكت أقصر الطرق وأسهلها لإسكاتهم. ابتدعت حيلة تحويل جزء من الرواتب إلى الدولار المحلي أو اللولار، على أن يتم سداده وفق سعر صرف المنصة الإلكترونية 3900 ليرة، ومن جيب مصرف لبنان.. لم تتكلف المصارف التي حقّقت أرباحاً بالمليارات، ليرة واحدة على موظفيها لشراء سكوتهم عن تقصيرها معهم، وتواطؤها على المودعين واختلاس أموالهم بمن فيهم الموظفون أنفسهم.

تنوعت العطاءات بين المصارف، واختلفت بين مصرف وآخر وبين موظف وآخر، محاوِلةً بذلك أن تظهر أمام العاملين مظهر المتعاطف مع أحوالهم المعيشية الصعبة المستجدة، في حين أنه لا يخفى على موظفيها أن سياسات المصارف وآليات عملها شكلت أحد الأسباب الرئيسية لما وصل إليه حالهم وحال البلد اليوم.

زيادات من خارج الرواتب

على الرغم من قيام المصارف اللبنانية منذ نشأتها على أكتاف العاملين لديها، لاسيما أصحاب الخبرات والكفاءات العالية منهم، لم يتردّد أي منها لحظة واحدة بصرف المئات تعسّفاً، وخفض رواتب الغالبية الساحقة من الموظفين. ونقول الغالبية الساحقة وليس جميع الموظفين، لأن إدارات المصارف تتعامل مع موظفيها باستنسابية على غرار تعاملها مع المودعين. فالفساد بات سمة لتعاملاتها مع أي كان.

خفضت إدارات المصارف الرواتب الأساسية لموظفيها منذ نهاية العام 2019 بنسبة تقارب 30 في المئة، تتناسب مع خفض ساعات العمل من 9 ساعات (بينها ساعة غذاء) إلى 6 ساعات عمل، حتى بدل الطعام حسمته من رواتبهم، ذلك في مقابل منحهم زيادات لا تدخل في أساس الراتب، وهي عبارة عن تحويل جزء من الرواتب من الليرة إلى الدولار المحلي، ويتم صرفه بالليرة وفق سعر صرف 3900 ليرة للدولار.

الحال المستجد لموظفي المصارف دفع البعض منهم، لاسيما ذوي الإختصاصات التقنية كموظفي الـIT (Information Technology) الذين باتت رواتبهم تساوي نحو 200 دولار فقط، إلى الهجرة من القطاع المصرفي إلى عالم الشركات الأجنبية، حيث يتقاضون فيها رواتب لا تقل عن 2000 دولار “فريش”. هذا الأمر يربك إدارات المصارف حالياً وفق مصدر مصرفي رفيع في حديث إلى “المدن”، فالمصارف تسعى جاهدة لعدم التفريط بهؤلاء العاملين.

عملية احتيالية بين الليرة واللولار

عمدت المصارف إلى إجراء عملية احتيالية بامتياز، تؤمن لها زيادة في رواتب موظفيها من دون أن تزيد الأعباء المادية عليها. واقتصرت الآلية على سداد الرواتب بالليرة اللبنانية والسماح للموظفين بتحويل جزء من رواتبهم -تختلف من مصرف الى آخر، ومن فئة وظيفية إلى أخرى- من الليرة إلى الدولار المحلي أو اللولار، ليتم صرفها تالياً وفق سعر صرف المنصة أي 3900 ليرة للدولار.

يتيح بنك لبنان والخليج LGB لموظفيه صرف مليون و500 ألف ليرة أي ما يعادل 1000 دولار من رواتبهم إلى الدولار المحلي، ليعيد سحبه بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف 3900 ليرة للدولار. أما ما تبقى من الراتب فيتم سحبه وفق سعر الصرف الرسمي للدولار 1515 ليرة. أما في حال كان راتب الموظف لا يزيد عن 1500000 ليرة، فيمكنه تحويله بأكمله إلى الدولار المحلي.

في بنك لبنان والمهجر Blom Bank يمكن للموظف العادي تحويل مليون و125 ألف ليرة إلى الدولار المحلي، أي ما يعادل 750 دولاراً، ويتم سحبها على سعر صرف 3900 ليرة. أما مدراء المصرف ونوابهم، فيمنحهم المصرف سقوفاً أعلى من سقوف الموظفين. إذ يمكنهم تحويل ما يعادل 1000 دولار وليس 750 إلى الدولار المحلي. وقد علمت “المدن” بأن هذا الأمر أحدث بلبلة وتململاً بين الموظفين، بسبب التمييز فيما بينهم والإستنسابية التي يتم وفقها صرف الرواتب. وقد سُمعت العديد من الاعتراضات في المصرف، غير أن الأخير لم يعدّل بالآلية المذكورة حتى اليوم.

مصرف Credit Libanais كانت سقوف موظفيه مرتفعة في السابق، وتصل إلى ما يعادل 2000 دولار. أما اليوم، فلا يتجاوز السقف المسموح تحويله إلى اللولار المليون و500 ألف ليرة، أو ما يعادل 1000 دولار.

أما بنك بيبلوس، فقد عمد إلى رفع السقوف المسموح لموظفيه تحويلها إلى اللولار من 900 ألف ليرة أو ما يعادل 600 دولار في بداية الأزمة، إلى مليون و125 ألف ليرة، أو ما يعادل 750 دولاراً، ثم إلى 50 في المئة من مجمل الرواتب، في قرار اتخذته إدارة المصرف منذ يومين.

وقد برّر أحد مدراء المصرف صرف مئات الموظفين مؤخراً، وبكل وقاحة، بأنها حصلت بهدف تمكين بنك بيبلوس من زيادة الرواتب لموظفيه، متجاهلاً أن ما تم تعديله على الرواتب لا يُعد زيادة عليها. أضف إلى أن الزيادة المقصودة لا يسددها المصرف من أمواله. والأمر الأكثر وقاحة، فهو أن المصرف المذكور أتاح لبعض مدرائه ونوابهم وعدد من المحظيين بين الموظفين تحويل كامل رواتبهم إلى اللولار، بخلاف باقي الموظفين الذين أتاح لهم تحويل 50 في المئة فقط من رواتبهم.

تمييز بين الموظفين

ولبنك سوسييتيه جنرال SGBL قصة مختلفة نوعاً ما. إذ اعتاد المصرف على سداد نصف رواتب موظفيه منذ أكثر من 10 سنوات بالدولار و50 في المئة بالعملة الوطنية. لكن منذ العام 2016 حول المصرف كافة الرواتب إلى الليرة اللبنانية، مستثنياً المدراء والإداريين الذين استمروا بتقاضي رواتبهم بالدولار لما بعد الأزمة، لكن وفق سعر صرف 3900 ليرة. هذا الأمر أثار استياء الموظفين واعتراضهم بقوة أمام إدارة المصرف، فاضطرت الأخيرة إلى السماح لهم بتحويل 900 ألف ليرة من الرواتب، أي ما يعادل 600 دولار إلى الدولار المحلي، وتقاضيها وفق سعر 3900 ليرة.

البنك اللبناني الفرنسي BLF يتيح لموظفيه تحويل كامل رواتبهم إلى اللولار. لكنه يحدد لهم سقوف السحب نقداً بقيمة كامل الراتب، وفق سعر الصرف 1500 ليرة، على أن يُستخدم باقي المبلغ للاستهلاك عبر البطاقة المصرفية. فعلى سبيل المثال، يمكن لموظف تبلغ قيمة راتبه 1500000 ليرة أن يحول كامل المبلغ إلى اللولار، أي 1000 دولار محلي أو ما يعادل 3900000 وفق سعر المنصة. لكن المصرف يمنع الموظف من سحب أكثر من 1500000 ليرة نقداً كل شهر.

IBLbank يضع سقفاً للموظفين للتحويل من الليرة إلى اللولار هو الأعلى على الإطلاق بين المصارف، يبلغ 7 مليون و500 ألف ليرة. بمعنى أنه يشمل غالبية الرواتب. وبنك بيروت BOB يضع سقفاً لتحويل الرواتب يُقدّر بـ3 ملايين ليرة. Fransabank تتراوح سقوف التحويلات بين 30 و50 في المئة من رواتب موظفيه. بنك بيروت والبلاد العربية BBAC تتراوح السقوف لديه بين 750 ألف ليرة ومليون و500 ألف ليرة. ويؤكد مصدر لـ”المدن” بأن عدداً كبيراً من المصارف تتعامل باستنسابية بهذا الأمر، خصوصاً في فرنسبنك وBBAC، كذلك بنك البحر المتوسط Bankmed. فيحدد سقوفاً لموظفيه عند 900 ألف ليرة للتحويل إلى لولار، ثم إلى ليرة وفق سعر صرف 3900 ليرة.

عودة والموارد

يحدد بنك عودة سقفاً لموظفيه، كما العديد من المصارف، بين 900 ألف ليرة ومليون و125 ألف ليرة أو ما يعادل 600 دولار و750 دولاراً. لكن اللافت بالأمر أن بنك عودة هو أول من افتتح عملية المزايدة والالتفاف على حقوق العاملين في المصارف. وليست المرة الأولى التي يتصدّر فيها بنك عودة ممارسات أقل ما يقال فيها انها “احتيالية”. فالزيادات التي مُنحت للموظفين تشوبها شائبتين. الأولى، أنها تُدفع من “جيب” مصرف لبنان، الذي لم يتوان عن طبع الليرات بصرف النظر عن نسب التضخم، وعن تقديم الدعم النقدي للمصارف. والشائبة الثانية، لا تقل خطورة عن الأولى. وهي أن الزيادات لا تدخل على أساس راتب الموظف. بمعنى أن التعويضات التي سيتقاضاها في حال صرفه أو تقدّمه بالإستقالة، لن تشمل الزيادات الممنوحة اليوم. وهذا الأمر يعد بحد ذاته احتيالاً وتشبيحاً على الموظف.

 

أما بنك الموارد فلا يزال يسدد رواتب العاملين لديه وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة، مع تخصيص 200 دولار نقداً لكل موظف شهرياً. واللافت وفق مصدر، أن المصرف يدفع الـ200 دولار لكل موظف “خلسة”، في مغلفات، والتسليم باليد، تجنباً لافتضاح أمر المساعدات بالدولار “الفريش”.

الزيادات على حساب مَن؟

ما يحصل في المصارف حالياً لا يقل وصفه عن عملية احتيال منظمة، تقوم على طباعة المال لإسكات موظفي القطاع المصرفي، بدلاً من زيادة أساس رواتبهم وإحقاق حقهم من “جيب” المصارف وأصحابها. فالآلية تأتي في إطار بيع مصرف لبنان لكافة المصارف الدولار اللبناني، الذي تسدده المصارف بالليرة وفق سعر صرف 1515 ليرة. بمعنى آخر يحمل مصرف لبنان فارق سعر الصرف بين 1515 ليرة و3900 ليرة. وبذلك تكون المصارف قد حققت مكاسب على جانبين. الأول، أنها استغلت طباعة المال النقدي من قبل مصرف لبنان لإسكات موظفيها، تجنباً لأي اعتراضات أو تحركات أو محاولات للتكاتف في وجه إدارات المصارف. والمكسب الثاني، هو بزيادة الرواتب من خارج أساس الراتب، ما يجنّبها زيادة التعويضات للموظفين لاحقاً والاشتراكات للضمان الاجتماعي حالياً.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button