“برسم حكّام وحكماء العالم”* فلك مصطفى الرافعي
النشرة الدولية –
مجلة الشراع –
بئس الحكيم على باب الحاكم ،ونِعْمَ الحاكم على باب الحكيم .
ومرحى لمن قال “إذا خُيّرت بين قتل العبيد او قتل الطغاة، لفضّلت قتل العبيد لأنهم من صنع الطغاة “…. وساعَدوا على تنمية الظلم وشيطنة العدالة….
..في العودة لأصل العنوان هي آيات محكمات من القرآن العظيم كلما تلوتها تستوقفني قسراً لإعادة القراءة والتمعّن والتدبر، وأذهب بعيدا لرسم الحاكم العدل الذي ينزل عند رأي وخطاب المخلوق الصغير ولا تأخذه العزّة بالإثم …
فقد سمعت اولا عن حاكم قال: “سأقتل من يقول لي إتّقِ الله”، ولكن في قصة النبي الملك والحاكم المطلق سليمان عليه السلام، والتي تقول إحصائية تقارب الحقيقة انه احد اربعة ملوك حكموا العالم كله في غابر الزمن.
سليمان الذي سخّر الله سبحانه له الرياح وعلّمه منطق الطير وألزَم الشياطين السمع والطاعة له، سليمان قائد الجيوش التي لا تُقهر ….
من نفحات شهر رمضان وصلت مرة جديدة الى بعض الآيات التي لا يمكن ان تتكرر فحواها، وما سمعنا انها حصلت اللهم إلّا من قِلة معدودة وهم لم يقاربوا سلطان سليمان ولاقوته ولا ملكه، وهو الذي طلب من ربه مُلكا لا ينبغي لأحد من بعده، تفقّد في يوم اسراب الطيور فافتقد الهدهد ذلك الطائر الجميل الذي إختصّه الله بخصوصية معينة ، وعندما لم يجده الحاكم توعده بعذاب شديد وصل الى حد “الإعدام” لانه خالف الإصطفاف العسكري وخرج عن سربه دون اذن مسبق أو “مأذونية “، وسرعان ما عاد الطائر المُخالف من رحلة عجيبة قطعها بين فلسطين واليمن الى مملكة سبأ تحديدا والتي كانت تحكمها إمرأة قوية، لكنها لا تتخذ قرارا الّا بعد مشورة و”ما خاب من إستشار” هي الملكة بلقيس .. وأثناء مثول الهدهد المتهم لم يَخَفْ من سليمان بل تقول الآية أنه “مكث غير بعيد “بمعنى والله اعلم أن المقابلة بين الملك العملاق والمخلوق الضعيف كانت ضمن مسافة قريبة، وهذه شجاعة نادرة ليقين ثابت. ودون سؤآل أخذ المبادرة بفتح المحاكمة وخاطب الحاكم بثقة وإعتداد “لقد أُحطُت بما لمْ تُحط به”..الهدهد يعلم وسليمان يجهل !! لم يغضب الملك لجرأة احد اصغر جنوده بل تركه يسترسل ويحاضر امامه لنيل حكم البراءة.
اخبره انه عثر على قوم يعبدون الشمس دون الله، لم يعزله سليمان ولم يستخف به ولم يستحِ امام قادته وجنوده ولم يشعر بالإهانة بل كانت عقيدة التوحيد هي المحكمة والقضاء وعوضاًعن معاقبته اوكل إليه امرا كأنه الترفيع في الرتبة وهذا شأن الكبار والعظماء، أمَرَه ان يعود إليهم ويلقي لهم رسالة من مليكه وينظر كيف يفعلون “رسالة من سليمان الحكيم ، وإنها بإسم الله الرحمان الرحيم” .
كان الهدهد سعيدا بالتكليف الذي لم يحمل في حيثيته اي “ثلث مُعطل” بل كان له حرية التصرف لان الامر هو بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر …. وتكتمل القصة التي نعرفها بزيارة الملكة بلقيس لحاضرة سليمان ومن ثَّم الإيمان بالله
اضحك وانا أُقارب بين المواقف لو انّ جنديا او وزيرا او والياً فعل ما فعله الهدهد لكان من سكان المقابر هذا إن لم يُسحل ويُمزّق شرّ تمزيق ….!!
سليمان الحاكم والحكيم ربح بدخول عبدة الشمس في دين الله فاطمأن الى سلامة رسالته والغاية منها وهي رسالة كل الأنبياء ولم نعلم بعدها خبرا عن الكبير الهدهد،لاترقية ولا وسام مُذهّب ولا إحتفال او مهرجان تكريم وخطابة فقط لانه جندي مؤمن خاطر بحياته لاجل قضيته المحقّة ….ولم نعلم عن محادثة بعدها بين المخدوم والخادم بل القضية ان هناك من يشرك بالله وهذا هو الميزان.
..يا حكّام العالم، الم تقرأوا قصة سليمان والهدهد؟ وهل بينكم من فعل كما فعل الحاكم الرشيد؟ .
يا حكام العالم هل منكم او من جنودكم من خاطر مثل الهدهد؟
مسالة فيها نظر …!!
واضحك اكثر لو ان القصة وقعت بين “الحجّاج بن يوسف الثقفي” وبين احد جلاديه، ولا اقول احد الجنود لأُبيدت كل عشيرته!! ….
تذكّروا ان الهدهد وقف في مكان قريب من رهبة سليمان ولم يرف له جفن لان القضية خرجت من عنق زجاجة الحاكم والمحكوم …
وقد سمعت من احد الفقهاء ان الله تبارك وتعالى سيسمح لبعض ممن ذُكروا في القرآن من غير البشر ان يكونوا بالجنة مثل “بقرة موسى وناقة صالح وربّما هدهد سليمان” ..
نسيت ان اذكر في عودة الهدهد المتهم بالعصيان ، لم يقم الحرس الخاص بتكبيل يديه بالأصفاد لان “*حضرة ابو كلبشة لم يكن قد خُلق بعد”*
نَعَمْ ،،
نِعْمَ الحاكم عند باب الحكيم العالِم، وبِئس الحكيم عند باب الحاكم ..!!