اين الجيل الجديد في “فتح”؟* خيرالله خيرالله
النشرة الدولية –
ليس اعلان رئيس السلطة الوطنيّة محمود عبّاس (أبو مازن) عن تأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقررة أصلا في الثاني والعشرين من ايّار–مايو الجاري سوى دليل على رغبة في المحافظة على الجمود. اكثر من ذلك، إنّه دليل على وجود ازمة عميقة داخل السلطة الوطنيّة الفلسطينية وداخل حركة “فتح” بالذات التي هي في أساس قيام السلطة الوطنيّة بعد توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993.
يساعد في تكريس الجمود الموقف الإسرائيلي الذي يبدو انّه غير راغب في تسهيل اجراء انتخابات، اقلّه في الوقت الحاضر. يساعد في ذلك أيضا، غياب الحماسة الأميركية للانتخابات الفلسطينية في ظلّ مخاوف عبّرت عنها شخصيات سياسية واكاديمية عدّة في واشنطن تخشى من نتائج هذه الانتخابات، خصوصا في حال انتهت بسيطرة “حماس” على المجلس التشريعي. كان رأي هذه الشخصيات في بيان أصدرته قبل أسابيع عدّة انّ لا امل يرتجى من الانتخابات في حال نتج عنها مجلس تشريعي يرفض التسوية السلميّة والاسس التي قامت عليها اصلا.
يمكن تعداد أسباب كثيرة للقرار الذي اتخّذه “أبو مازن” والقاضي بتأجيل الانتخابات التشريعية وربّما الانتخابات الرئاسية المقرّرة في تموز–يوليو المقبل. مثل هذا التأجيل يعني بقاءه رئيسا مدى الحياة وذلك بعدما خلف ياسر عرفات اثر وفاته في تشرين الثاني–نوفمبر 2004. اصبح “أبو مازن” رئيسا للسلطة الوطنيّة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وزعيما لـ”فتح” بعدما تبيّن انّه الوحيد الذي لا يزال يتمتع بما يكفي من الصحّة والعافية من بين افراد القيادة التاريخيّة لحركة “فتح”.
في الواقع استفاد الرئيس الحالي للسلطة الوطنيّة الفلسطينية من غياب شخصيتين في “فتح” كان يمكن ان تخلف احداهما “أبو عمار” هما خليل الوزير (أبو جهاد) الذي اغتاله الإسرائيليون في تونس في نيسان–ابريل من العام 1988 وصلاح خلف (أبو ايّاد) الذي اغتاله ارهابي من جماعة صبري البنّا (أبو نضال)، المنشقّة عن “فتح”، في تونس أواخر العام 1990.
بالنسبة الى شخص مثل “ابومازن”، صار في الـ85 من العمر، يُغني تأجيل الانتخابات عن احراجات كثيرة في مقدّمها انكشاف حركة “فتح” وتحوّلها الى قبائل وعشائر في عهده. كلّ ما في الامر انّ رئيس السلطة الوطنيّة الذي هو في الوقت ذاته زعيم “فتح” لعب دورا مهمّا في مجال شرذمة الحركة في ضوء رفضه أي شراكة في القرار. كانت النتيجة الغاء حركة “فتح” وخروج كثيرين منها اعترضوا على الطريقة التي تدار بها “فتح” التي لم يعد في داخلها من مجال لايّ اخذ ورد او نقاش مفيد. هناك من طردوا من الحركة لمجرد اعتراضهم على “أبو مازن” الذي كان مأخذه على “أبو عمّار” طغيانه على القرار الفلسطيني!
مقارنة مع ما كان عليه الوضع ايّام ياسر عرفات، يمكن القول انّ “أبو مازن” تحوّل الى حاكم عربي آخر من فصيلة البعثيين الذين لا يقبلون أي شخص يستطيع قول كلمة “لا” او “ولكن”.
يظلّ الفشل الأكبر للسلطة الوطنيّة، التي لن تنقذها مشاورات بين فصائل لم تعد موجودة، بل اكل الدهر عليها وشرب، مثل “الجبهة الديموقراطيّة” او “جبهة النضال” او “الجبهة الشعبيّة–القيادة العامة” وما شابه، ذلك السقوط المريع لمؤسسات السلطة. لم تستطع السلطة بناء أي مؤسسات من ايّ نوع في الأراضي المحتلّة. لم تستطع هذه السلطة المحافظة على غزّة التي صارت “امارة اسلاميّة” تتحكّم بها “حماس” بكل تخلّفها.
الأكيد ان إسرائيل لم تساعد في قيام ايّ مؤسسات فلسطينية، خصوصا مع صعود اليمين والإصرار على القضاء على خيار الدولتين. لكنّ شيئا لم يمنع تطوير “فتح” وحتّى منظمة التحرير الفلسطينية والعمل في الوقت ذاته على إقامة إدارة تتمتّع بحدّ ادنى من الشفافيّة.
ليس الغاء الانتخابات التشريعية سوى تتويج للفشل الذي حوّل السلطة الوطنيّة الى مجرّد أداة امنيّة تعمل في خدمة الاحتلال بدل ان تكون في خدمة الشعب الفلسطيني. الموضوع ليس موضوع بطولات ولا شعارات رنّانة. الموضوع موضوع القيام بعمل مفيد ومواجهة الاحتلال بالوسائل السلميّة في الوقت ذاته. العمل المفيد يعني هنا قبل ايّ شيء آخر الابتعاد عن فكرة القائد الأوحد والرئيس مدى الحياة.
ليس صحيحا ان “أبو مازن” اجّل الانتخابات من اجل القدس. يمكن إيجاد طريقة لمشاركة المقدسيين في هذه الانتخابات. اجّلها بعدما اكتشف انّ “فتح” منقسمة على نفسها وانّ لوائح فتحاويّة أخرى يرعاها ناصر القدوة (ابن شقيقة ياسر عرفات) او محمد دحلان ستحقّق نتائج افضل من نتائج ما بقي من “فتح” التي يتزعّمها “أبو مازن”.
الغريب ان يتفاجأ رئيس السلطة الوطنيّة بالأرقام التي قدمت له والتي اعطته فكرة عمّا يفترض به ان ينتظره من الانتخابات. ما هو اغرب من ذلك ان يطلق العنان لشتائم موجهة الى الصين وروسيا وأميركا… والعرب في اجتماع لقيادة “فتح” تعبيرا عن سخطه وضيق صدره.
لعلّ اخطر ما في الامر انّ تأجيل الانتخابات يغلق كلّ الأبواب امام التغيير السلمي في فلسطين. هناك شباب فلسطيني كان يبحث عن مثل هذا التغيير وهناك قيادة عجوزة لم تهيئ لاي تغيير من داخل. هذا حدث في أماكن كثيرة في العالم، بما في ذلك في بلد متحضر مثل تونس حيث أراد الحبيب بورقيبة البقاء رئيسا مدى الحياة. جاء من يزيحه بعد تجاوزه الثمانين واصراره على البقاء في السلطة. استطاع زين العابدين بن علي، بحسناته وسيئاته، توفير سنوات عدة من الرخاء لتونس، بين 1987 و 2010.
من يستطيع اقتلاع “أبو مازن” الآن واقناعه بضرورة الذهاب الى منزله والتمتّع بالحياة بعيدا عن هموم سلطة صارت عبئا عليه، بل صارت عبئا على الفلسطينيين وقضيّتهم؟ اين الجيل الجديد في “فتح”؟