“كله تمام سيدي”.. سر الخراب* صالح الراشد
النشرة الدولية –
يقف الوطن مكانك سر منذ سنوات ولا أغالي إن قلت بأننا نعود القهقهري إلى الخلف، فكل شيء في تراجع وحتى لا يعتبرني ذاك المستفيد من منصبه بحكم قوة والده أو واسطته بأنني أجلد وطني وخبرائه ومبدعيه فتعليق الجرس قد يزعجك لكن أصل الاشياء أن لا تكون في منصبك كون المناصب للأفضل.. هكذا أعتقد ويا لسوء اعتقادي .. فالخبراء الأصليين لا مكان لهم في مركز إتخاذ القرار، كون المناصب والمكاسب لمن لا يخدمون الوطن، لكنهم يبدعون في قول ثلاث كلمات تمهد لهم الطريق.. ” كله تمام سيدي”، نعم هذه كلماتهم التي يصدحون بها في كل موقع كونها كشجرة اللبلاب التي يتسلقون بها على المناصب، وهي الرمز السري الذي جعل بعض العائلات تحافظ على وجودها في مراكز السلطة والقرار لسنوات طوال قادوا فيها الوطن من فشل لآخر، فهم يعرفون أن “كله تمام سيدي” ترضي غرور المسؤول الأعلى منه وتمنحه شعور بالسعادة والعظمة والإبداع.
“كله تمام سيدي”، فهل حقاً كله تمام؟، فيهتف مرتعب على الوطن التعليم انحدر ..فياتي الرد من شيطان بصورة إنسان.. لا يهم “فكله تمام سيدي الوزير”، فأنت المبدع وزارع راية العلم وانت القلم والكتاب ومن ينتقد معاليك إلى غياب.. ويصدح خبير بألم.. الصحة تتراجع والمرضى يموتون لنقص الأكسيجن والعلاجات.. فيرد الأعور الدجال الجالس على يسار الوزير لا تصدقهم سيدي “فكله تمام”، ونحن نسير بقوة للأمام وهذا لا يُعجب الناقد النمام، سر على بركة الله فنحن معك لأن “كل شيء تمام” فأنت مُلهم الشرق والغرب في إدارة الصحة والأمان، ويصرخ باحث عن لقمة العيش بأن المجتمع في خطر والبطالة قنبلة موقوته، فيأتي الرد لصاحب المعالي من منافق فنان، لا تزعج نفس معاليك بما يقولون، فالشعب بخير ويأكل ويشرب ويلعب، والعمل موجود لكنهم يبحثون عن مناصب كبيرة، لذا “فكل شيء تمام سيدي” ولا تُصغي لهذا الزنان.
“نعم سيدي كله تمام”.. حتى ان كانت علاقاتنا الخارجية تتراجع.. فيهتف اقربهم لأذن الوزير لا تستمع لهم، فعلاقاتنا من المحيط الهادر للخليج الثائر محط إهتمام، ونجد من أوروبا تقدير وعرفان فيما الولايات المتحدة تعتبرنا السند والأمان، فيهمس مرتعب من شدة الجواب، لكن الإقتصاد ينتحر على أبواب هؤلاء، فيعود الهامس كالشيطان لممارسة عبثه فيقول: “علينا تقديم التنازلات لإرضاء هؤلاء الذوات” وعندها سنعيش في رغد “وكله سيكون تمام”، وفي الرياضة حيث الوزارة والمناصب العليا مجرد جوائز ترضية لأبناء الباحثين عن المناصب نعتبر كل مصيبة إنجاز وكل مشاركة إعجاز، وإن انتقدت الحمق والبعث الجاري يخرج رجل من تحت أنقاض المنصب ويقول: “سيدي لا تستمتع فهؤلاء يتفلسفون” وفي علم الرياضة هم جاهلون فأنت يا من جلست على مقعدك اليوم خبير عليم، “ويا سيدي كله تمام”.
وينتقل المرض من الموظف الفتان والقاتل للوطن بإتقان من أجل أن يبقى منصبه في أمان، ليُصيب وزير الصدفة والخذلان الذي يتحدث دون تفكير ويصرخ في الإعلام ويهمس للرئيس “سيدي.. كل شيء تمام”، وتستمر الرسائل حتى نشعر من تردد صدى “كله تمام سيدي” بأن حقاً “كل شيء تمام” ونحن نتجنى على أصحاب المعالي ومن فوقهم، وأن المصاعب قد انقضت والمصائب غادرت وأن الرفاه جاء في موسم الإنفتاح، لنشعر بأننا على خطأ وأن أصحاب القرار وإن هبطوا بمظلات يملكون المعادلة السحرية فنعاتب أنفسنا على نقدنا “فكله تمام سيدي”.. لكن صدقني يا سيدي بأنه لا شيء تمام سوى انتشار فساد الدجالين والكاذبين والأفاقين في مفاصل الدولة وإبعاد العارفين والتمسك بالجاهلين ، لذا “كله مش تمام سيدي”.
وهنا لاح الصباح فصمت الراشد عن الكلام غير المُباح حتى يحيا بارتياح..!!