أين الخليج من “ثورات الربيع”؟* حمزة عليان

النشرة الدولية –

إطلالة صاحب “الوجه الأكثر فصاحة وجرأة” وهو #يوسف بن علوي، وزير الخارجية الأسبق في عهد السلطان قابوس، جوبهت بالرفض والانتقاد، لما حملته من تبشير “بربيع خليجي قادم”، وإن كانت محلّ تقدير واهتمام من أصحاب الرأي المستنير، لكنّها حرّكت المياه الراكدة وأحدثت جدلاً لم يتوقف.

 

معاليه، من السياسيين الذين لمعوا في “عصر السلطنة”، وكان من أبرع وزراء الخارجية وأكثرهم قدرة على قراءة الأحداث وكيفية التعاطي معها، فهو من مدرسة أخذت من دهاء الإنكليز بقدر ما حملت من “حكمة” وتعقّل في الممارسات السياسية.

 

عندما كانت المنطقة الخليجية تموج بالتغيرات وبالحروب والانقلابات، كانت السلطنة تلتزم الهدوء وتبتعد عن الثرثرة، وفي اللحظة الحرجة يخرج علينا “معاليه” بقليل من الكلام يختصر الأزمة ويضعها على “سكة التفاوض”.

 

ما قاله معاليه كان مفاجأة ربما عند البعض، وإن كانت هناك أصوات سبقته منذ فترة وهي تستقرئ القادم من الأيام وتأخذ الدروس والعبر من أحداث الربيع العربي التي حصلت عام 2011.

 

مقابلة معاليه مع التلفزيون العماني الحكومي، تعني أنّ ما أشار إليه موافق عليه ضمنياً، وليس فيه ما يستدعي الخوف أو المنع، فقد ربط ما حدث في الأردن مع ما يحدث في #الكويت ليستنتج بأنّها أولى الخطوات التي ستؤسس لقيام ربيع خليجي ثان.

 

علماء الاجتماع والدارسون لهذا الملف، أعطوا إشارات واستشعروا أنّ هذا الربيع في طريقه لزيارة دول الخليج، لكن متى وكيف؟ بقي السؤال معلقاً، إلى أن أزاح الستارة عنه معالي الوزير يوسف بن علوي، وبأنه إذا ما استمرّت حالات الفساد السياسي فلربما أعطت مؤشرات سلبية لأصحاب القرار كي يتدبروا الحال قبل وقوع “الفأس بالراس” كما يقولون.

 

الكثير من المعنيين وفي عدد من بلدان #الخليج العربي رأوا أنّ هذه الدول هي في مأمن من التغيرات التي أطلقتها في ثورات الربيع، بل ينعتونها “بثورات الخيبة”!

ما دعا معاليه إلى التحذير عائد إلى إحساسه بالمسؤولية وإدراكه أنّ هذه الرسالة لا بد أنّ تصل إلى مسامع المسؤولين، كي يستدركوا الأمر من خلال خطوات استباقية تترجم بإصلاحات عميقة وحقيقية، وإن كانت بعض الدول استجابت لرياح التغيير والإصلاح، وشرعت فعلياً بالإقدام عليها وبما تشكله من ضمانات دعماً للاستقرار السياسي والاقتصادي.

 

الناظر إلى مستوى الدخل في معظم هذه البلدان والوفرة المالية التي تعيشها نتيجة تدفق عوائد النفط، لا يخالجه شك بأنّ رهان البعض خطأ وقراءاتهم لا تستوي مع الواقع الذي يتلمّسه أكثر من 50 مليون مواطن ونحو 12 مليون وافد، بل إنّ “عصر الرفاهية” لم يهتزّ. فما زالت هذه الدول تنعم بالغنى، ودخل الفرد فيها قياساً إلى الناتج الإجمالي يتراوح ما بين 135 ألف دولار شهرياً و70 ألف دولار، ولذلك لا توجد هناك قوى أو مجموعات يمكن أن تفكر أو تسعى للقيام بثورات.

الخريطة السياسية في المنطقة الخليجية قد تختلف من بلد إلى آخر، لكن الحالة الاقتصادية تبدو متشابهة ومتقاربة، وعليه تبقى الأوضاع محصّنة وآمنة.

 

التحركات المتواضعة أو العنيفة التي شهدتها بعض عواصم الخليج العربي إثر ثورات “الربيع العربي” انتهى مفعولها؛ منها ما أُخمِد إلى الأبد، ومنها ما استُرضِي، ومنها ما أخذ طريقه إلى المعارضة السياسية. وفي كل الأحوال، أسقط المواطن الخليجي اليوم من حساباته تماماً فكرة تقليد ثورات الربيع العربي، بعدما لمس “الخيبة الكبرى” منها والنتائج الكارثية التي أنتجتها، وما أحدثته من تبدلات على الأرض لم تشجع أحداً الإقدام عليها. بل صارت اليوم تشكّل أرضية صلبة وسدّاً منيعاً لإجهاض أيّ “ثورة” على الطريقة العربية، التي استجلبت الخراب والفوضى المدمّرة، ولا تزال حتى اليوم تطالعك وهي مشرعة في كل الاتجاهات.

الضجّة التي أثارها تصريح “معالي الوزير” لا تزال مستمرة. ومواقع التواصل الاجتماعي كانت نافذة للتفاعل الحيّ، تعطي دلالات واضحة بأنّ الشعوب الخلي

جية ليست على استعداد لأن تدفع ثمن الانصياع مرة أخرى خلف الشعارات، وأنّ ما يقولونه “هرطقات” و”أمنيات” لا تحليل وفق معطيات واضحة.

 

ربما كان الدكتور عبدالخالق عبدالله أكثرهم وضوحاً بالردّ على معاليه، والقول بأنّ قراءته للمشهد العربي لا يُعتدّ بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى