«الصبر الاستراتيجي» يــتــفـوق عــلى «أقصى الضغوط»* عريب الرنتاوي

النشرة الدولية –

عادت الوفود الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي تقاطرت إلى واشنطن في الأسابيع القليلة الفائتة، بـ»خُفّي حنين»، تجرجر أذيال الخيبة، بعد فشل مساعيها لثني إدارة بايدن عن العودة إلى اتفاق فيينا مع إيران ورفع العقوبات عنها…تقدير المستوى الأمني والعسكري في إسرائيل، أن واشنطن عازمة على إغلاق هذا الملف، حتى وإن اقتضى الأمر، رفع أكثر من 1600 رزمة من العقوبات، فرضها ترامب عليها.

التاريخ يعيد نفسه، ولكنه يفعل ذلك بعد مهلة قصيرة هذه المرة…في العام 2015 لم تدّخر حكومة نتنياهو جهداً لإحباط مسعى إدارة أوباما إبرام الاتفاق، حتى أن نتنياهو شخصياً، لم يتوان عن الظهور خطيباً، أمام الكونغرس بغرفيته، محرضاً نواب أمريكا وشيوخها على رئيسهم، في سابقة، غير مألوفة في الأعراف الديبلوماسية…اليوم، يصعب على نتنياهو أن يواجه الكنيست، دع عنك الكونغرس.

سنوات أربع عجاف مرت بها إيران تحت «أقصى العقوبات»، متسلحة بـ»الصبر الاستراتيجي»، لم تتزحزح عن أي من شروطها ومطالبها لإحياء الاتفاق، فكان لها ما أرادت، فالاتفاق الذي يكاد يبصر النور، يكاد يتضمن كافة مطالب طهران وشروطها…لا حدود لعناد المفاوض الإيراني ولا لطول نفسه، ليت قومنا يتعلمون.

واشطن ترفع العقوبات عن معظم الكيانات والأفراد الإيرانية، وتخرج ثلاثة من أهم القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية من دائرة العقوبات: النفط والطاقة، الصناعة والمصارف…وقرابة مائة مليار دولار سيجري الإفراج عنها بعد سنوات من التجميد، على أن تعود طهران لتنفيذ التزاماتها النووي، ومن دون توسيعه كما ظلت واشنطن وتل أبيب وعواصم أوروبية وعربية تطالب.

مندوب الدولة الأعظم، لم يُسمح له ولوج الفندق حيث يقيم ويجتمع الوفد الإيراني مع وفود مجموعة «4+1»، والوفد الإيراني أصر قبل الشروع في المداولات، على إزالة العلم الأمريكي من بين أعلام الدول المنخرطة في التفاوض المباشر، وواشنطن ليست واحدة منها، وبرغم محاولات ترتيب لقاءات مباشرة، أقله لتسريع مسار التفاوض، بدا الوفد الإيراني، ممثل الدولة المحاصَرة، الأقل استعجالا…ليت قومنا يتعلون الصبر والصلابة.

من حقك أن تتفق أو تختلف مع إيران، وإن لم تفعل ذلك، فلديك مشكلة على الأرجح، بيد أنه لا يحق لك، أن تنكر على الإيرانيين انتصارهم في وجه غطرسة ترامب، وتآمر نتنياهو وبعض حلفائه في الإقليم، وضعف أوروبا وتبعيتها، وتردد الصين وروسيا…قريباً على ما يبدو، ستخرج إيران من أطواق العزلة والحصار، وستتقاطر عواصم عربية وأوروبية لخطب ودها، ولقد بدأنا نرى ريحاً جديدة تهب على عواصمنا العربية.

نتنياهو يراقب المشهد، متعهدا بمواصل حربه على إيران، ويعرض خدماته كزعيم لدولة بمقدورها «ملء فراغ» واشنطن، لكن مشكلة نتنياهو، أنه لا يجد من يشتري هذه «البضاعة»، إذ حتى الأطراف العربية الأكثر حماسة، للتطبيع مع إسرائيل، بدأت تدرك اليوم، أن هذه «الورقة» أخذت تفقد قيمتها، وأن زخمها في تآكل، وأن الحوار مع إيران، وليس التحالف مع إسرائيل، ربما يكون أقصر الطرق لحفظ أمنها واستقرارها وصون مصالحها.

ليست إيران وحدها، ثمة آخرون في هذا الإقليم الكبير، نجحوا في إرغام واشنطن على الإصغاء لمطالبهم وشروطهم…ألم تقدّم طالبان نموذجاً في الصبر والصلابة والعناد، أمام الدولة الأعظم، وأرغمتها على الشروع في سحب قواتها بلا قيد أو شرط؟…ألم يجبر الحوثي التحالف العربي على الاعتراف به، لاعباً رئيساً، يُراهن على «يمنيته» و»عروبته» بعد أن كان «بيضة إيرانية يسهل كسرها»، وفي غضون أيام قلائل؟…العالم لا يفهم إلا لغة الأقوياء، دولاً كانوا أم جماعات وحركات، وأيأً كانت مرجعياتهم الفكرية والعقائدية والدينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button