في فيلم “دائما وأبدا” على نتفلكس.. الإنسان وصناعة الذكريات

النشرة الدولية –

يسعى المخرج الأمريكي ميشيل فيموجناري إلى التقاط اللحظة الفارقة في حياة الإنسان، بل وابتكار أدوات وطرق مختلفة لتخزينها، في الذاكرة، للتغلب على البعد المكاني، والزماني، المحيطين بالمرء، في الفيلم الدرامي الكوميدي، ”Always and forever“، المعروض حديثا على نتفلكس، ويواصل حصوله على أعلى المشاهدات حسب موقع “إرم نيوز”.

حيث يعمل الخط الدرامي للفيلم على تفصيل جملة من اللحظات التي توثق نقاطا هامة في حياة الإنسان، هي الصورة النهائية لرحلته في هذا العالم.

وتتكثف هذه اللحظات لتشكل لوحة معبرة عن كينونة الإنسان، مشتملة بذلك على صفاته وردّات فعله، وأحاسيسه تجاه المواقف المتغيرة على مدار السنوات.

وتعالج مشاهد الفيلم، من خلال سيناريو كاتي لوفيجوي، مدى قدرة المرء على صناعة الذكريات الصادقة، وتمثيلها على شكل مواقف ولحظات غير قابلة للفقد، مهما امتدت السنوات.

ويتحقق ذلك حين تسرد الأحداث تفكيكا لرؤية الفتاة لارا جين ”لانا كوندور“ حول معنى الحياة، والكيفية التي يمكن من خلالها تجسيد إحساس السعادة، مع الشركاء، والأقرباء والأحباء، فيستكشف السيناريو مدى قدرة المرء على خوض تجربة بعينها، مهما كان جمالها أو قسوتها، حتى آخرها. هذه المواجهة بشكل أساسي هي النقطة الرئيسية التي يمكن لمحها في ذاكرته بعد سنوات.

وفيما يركز الترتيب التسلسلي للفيلم على مدى قدرة الإنسان على مشاركة اللحظة مع الآخر، وهو ما يعد توسيعا لمساحة التجريب، حيث يصنع الإنسان ذكرياته مع شخص آخر بذكاء مستمر، ويحولها إلى إكسسوارات صغيرة، متمثلة بالهدايا والكتابات والمواقف الجريئة، والضحكات، واللحظات المجنونة، وزيارة الأماكن الجديدة، واختيار الأغنية المشتركة، وخطوات لا حصر لها، تختلف حسب طبيعة الشخصين.

ويعالج فريق العمل أيضا، بهذا الطرح، مدى استجابة الإنسان للموقف السيئ، في الحياة، حين   يواجه المرء الرفض والإقصاء، في محاولاته التي لا تتوقف. إذ تعكس الدراما الهادئة -القائمة على الحس والحوار- ضعف المرء في مواجهة الظروف الاستثنائية وحده، وقوته في ذلك حال التشارك مع الآخرين.

وتقدم شاشة الفيلم، الممتد على ساعتين تقريبا، شخصيات محدودة، تتشارك جميعها حول نفس مائدة الصراع، المتمثل في الوحدة والتشارك، والقيمة المعنوية السائرة بينهما، وكذلك التباعد والقرب ومدى إمكانية الحفاظ على معنى ثابت متفق عليه بين طرفي العلاقة، في حال طالت المسافة، وسيطر العامل الجغرافي على شكل العلاقة.

فمثلا، شخصية بيتر ”نوح سينتينو“، الشاب المقبل على الحياة بصراعه الممتد منذ طفولته مع العائلة، حيث تطارده أفكاره السيئة؛ بسبب انفصال الأب عن محيط حياته، وانشغاله بزوجته الثانية. هذا يكون سببا في رفضه انفصال لارا جين عنه مكانيا، بعد عزمها على الالتحاق بجامعة بعيدة عن مكان إقامته، بحيث يصبح الالتقاء بينهما صعبا جدا.

وهو ما دفع بيتر للخشية من تكرار شكل الفقد في عمره، بالوجود وعدمه في نفس اللحظة، كما حدث مع والده.

انفصال آخر كان يحيط بحياة لارا جين، إذ يدخل أبوها في حلقة ابتعاد جديدة، بعد الانفصال عن الأم مسبقا، بزواجه من امرأة أخرى، وهو تعبير عن عزلة جديدة يخوضها الأب، عن ابنتيه، لكن ردة الفعل من خلالهما كانت باردة، غير مبالية، وكان أساسها: كيف يمكن التقاط لحظة جميلة وتخزينها في الذاكرة، حتى ولو كان الأمر متعلق بحفل زفاف الأب!

وتقوم المنهجية الإخراجية للفيلم على الإدراك الحسي للحدث، بتحويل اللحظات البسيطة إلى علامات خالدة في الذاكرة. وتتجسد هذه الفكرة من خلال الإحاطة بأشكال مختلفة من العاطفة البشرية، وفلسفات حوارية، وأحداث قليلة الصخب، تستمر جميعها في تسجيل شريط لا يتوقف، للتفصيلات الصغيرة المعاشة من قبل الأشخاص.

أما الأدوات الإخراجية، فتمثلت في اعتماد المخرج مشاهد قصيرة، تتتابع بتنوع ما بين البطء والسرعة، وكوادر قريبة لملامح الشخصيات، تفند النظرات والمشاعر المرتبطة باللحظة، وأثرها على الإنسان.

ويدمج المخرج ما بين المشاهد المصورة للأبطال، ومقاطع متعددة من الصور المتحركة ”ديجيتال“،  فاستخدمت الأخيرة كفواصل بين الكوادر المتتابعة؛ بهدف لفت الانتباه إلى تنقل مكاني بعيد، أو التلميح لعاطفة جديدة، قابلة للتجريب في المشهد التالي.

فيما استخدمت الإضاءة المشرقة في تصوير المشاهد، ورافق ذلك ألوان وردية ومحفزة، لالتقاط لحظة جميلة مع الحياة؛ بهدف تحقيق الأدوات اللازمة لتثبيت ذكرى ما، في وعي الإنسان، بشكل متقصد، وزيادة سمك هذا النوع من الذكريات في الذاكرة البشرية.

كما أن الموسيقى التصويرية التي قدمها سعت بنفس الجرأة في تقديم حاضنة شعورية دافئة، لمواقف متعددة ومختلفة بين الأبطال، واتسمت موسيقى ”جو وونج“، بالتنوع ما بين الهادئ والسريع، حسبما يتطلب المشهد السينمائي. كما أعطى المؤلف الموسيقي نبض الاختلاف في موسيقاه المقدمة، تبعا للسيناريو، والمعنى المنبثق من الحدث، فكان تحرك وسفر الممثلين، يرافقه موسيقى سريعة، فيما كانت اللحظات الحوارية، ولحظات الرجوع بالذاكرة، مصحوبة بموسيقى هادئة كأنما وردة تتفتح في المكان.

الفيلم يأتي كمرحلة أخيرة من ثلاثية To all“ the boys“، التي انطلقت في العام 2018. ففي الجزء الأول، ”أنا أحببت“، كانت ”لارا جين“ تواجه صدفة إرسال رسائلها سرية إلى“بيتر“، الذي يستخدمها لإشعال علاقته الرتيبة بزوجته، فتتحول للذي يخطط لعلاقة مزيفة مع لارا، فتنتهي بحب حقيقي.

أما الفيلم الثاني، فكان بعنوان ”ما زلت أحبك“، حيث تقارن فيه لارا جين بين الحب الأول، وحبها الحالي، وتلمس التناقضات التي تقوم عليها الذات البشرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button