مدينة الحوائط لطارق إمام الخيال بما هو الوجه الآخر للحقيقة

النشرة الدولية –

ريم قمري –

ماذا لو أخذنا هدنة من العالم ، و قررنا السفر عبر الخيال الى مدينة الحوائط، نعم مدينة تكسر مع كل ما هو عادي و طبيعي و منطقي ومتعارف عليه في بقية مدن العالم، ولن يكون عليك للدخول إلى هذه المدينة التى لا أبواب لبيوتها و لا أسقف غير السماء،  إلا أن تتسلح بالكثير من الخيال، لكنه ليس خيالا عقيما و منفصلا عن الواقع، إنه ببساطة الواقع وقد استعار قناع الخيال المرواغ و الخلاق، ليسحبك من عقلك ويمشي بك في دروب مدينة الحوائط الضيقة، و كلما فكرت في الخروج من هذه المتاهة المسيجة بالحوائط ازددت توغلا و تورطا فيها، و في كل مرة ينكشف لك جزء من عالمك الداخلي، من انكساراتك الواقعية من هزائمك الشخصية، لتكتشف أنك أيضا إبن مدينة الحوائط.

المجموعة القصصية ” مدينة الحوائط” للكاتب المصري طارق إمام ، تحتاج قارئا شجاعا ، لأن الكاتب منذ بداية المجموعة يوفر لك كل أسباب الجنون وأنت تضع قدمك على عتبات الكتاب، ستحس أن هناك مغنطيس يجذبك منذ العتبة الأولى، يمسك بتلابيبك و يجرك خلفه ركضا في أزقة مدينة لا تتسع إلا لمرور شخص واحد، مدينة رغم ان بيوتها بلا أبواب وبلا أسقف غير السماء، لكنك متى ما صرت داخلها فإن العالم الخارجي يختفي او يحجب تماما، لكن طارق قبل أن يقذف بك هناك، يسلمك خارطة للمدينة متى ما فككت رموزها، تحولت الى  مسافر  جوال داخلها ، تتجول في تاريخها و في حكايا نسائها ورجالها وحتى غرائبها.

يكتب طارق إمام باعتماد أسلوب الغرائبية و العجائبية، حيث يمتزج الخيال بالواقع، ويصبح الأسطوري والعجائيبي منطقي وواقعي و يقبله العقل، إنه ما أحسه أنا أو ما أعتبره الكتابة بحد السكين، يكتب و كأنه يمشي على صراط و يحاذر السقوط في كل لحظة عن صهوة الواقع في الخيال المجرد. كما أنه لا يسمح للواقع المجرد والجاف بإفساد متعة الخيال المنساب والمجنح.

عوالم سحرية ممتعة، وتشدك منذ البداية.

كل حكايا أو قصص المجموعة، تبدو خرافات مجنحة في الخيال و بعيدة كل البعد عن الواقع، لكن الكتاب كان في صميم الواقع بكل تجلياته، منذ اختياره لمدينة حوائط أرضاً للحكاية كان يدرك جيدا ما يريد قوله.

هذه المجموعة برأيي قدمت رؤية شاملة عن عالم اليوم ، بكل ما فيه من متناقضات و اضطرابات سياسية وفكرية و اجتماعية، و حتى قيمية، كلنا نعيش في مدن هي أشبه بمدينة الحوائط، مسجونون خلف حوائط عالية ، و نرى العالم من زوايا ضيقة ، لكن لا أبواب لنا تحمينا من عالم صار يشبه قرية صغيرة ، ما قيمة أن نملك أبوابا لا يمكننا إغلاقها ولا يمكنها أن تحمينا.

في المجموعة تحدث الكاتب او طرح عديد المواضيع الهامة ، تحدث عن الموت والخلود الحرب واللعنة التى ترافق البلاد متى ما تعمد تاريخها بالدماء، تحدث عن الجسد والشهوة عن الحب و الكره والأنانية عن الخرافة و تزيف التاريخ.

اختار طارق إمام أن يكتب مجموعة قصصية، لكنها في الواقع هي أقرب إلى رواية، هي متتالية قصصية بامتياز، لأن القصص غير منفصلة عن بعضها، كل قصة ترتبط بسابقتها بشكل ما، لذلك يذكّرنا في عديد القصص بأحداث واشخاص ورد ذكرها في قصص سابقة، إنها ببساطة حكاية مدينة  بنسائها ورجالها وغربائها، كل الحكايا مرتبطة مع بعضها وتكمل بعضها البعض.

سرد جميل و مشوق جدا، يقودك دوما نحو نهايات غير متوقعة، ويفتح داخلك أفق التفكير ، لتربط في عقلك بين الواقع والخيال، إنه يجبرك في كل مرة على القيام بذلك دون وعي مسبق منك.

مدينة الحوائط مجموعة تحتاج ذكاء أيضا في قراءتها و في فك رموزها، لذلك قلت منذ البداية إنها تحتاج شجاعة كبيرة، لأنك ما إن تنتهي من قراءتها وتقف أمام المرآة، سيفاجئك عريك الروحي، و ربما ستلاحظ أن ملامح وجهك قد تغيرت، و قد تكتشف لأول مرة كم هي عالية و ضيقة كل هذه الحوائط حولك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button