كيف يؤثر هجوم «كولونيال بايبلاين» على الأسواق الأمريكية؟

النشرة الدولية –

من مكانهم المجهول وبهويتهم غير المحددة، استطاع قراصنة العالم الافتراضي، إرباك أسواق النفط العالمية بشكل عام، وسوق الوقود في الولايات المتحدة خاصة، بعد استهدافهم خط أنابيب رئيسياً، رغم أنهم اعترفوا لاحقا بعدم قصدهم التسبب في أية مشاكل نتيجة الهجوم.

الهجوم الذي استخدم برمجية الفدية، استهدف مساء الجمعة الماضي أكبر خط أنابيب في الولايات المتحدة لنقل الوقود من ساحل الخليج إلى الشمال الشرقي، متسببًا في إغلاقه (قد يستمر لأيام مقبلة) وتعطيل تدفق ما يعادل ملايين البراميل من المنتجات النفطية إلى السوق.

دفع الهجوم البيت الأبيض إلى إعلان حالة الطوارئ في 17 ولاية، إضافة إلى العاصمة واشنطن، والتي تقضي بنقل الوقود عن طريق البر للعاصمة والولايات التي من بينها نيويورك وتكساس وفلوريدا ونيوجيرسي وغيرها. وقد تكون هناك تداعيات سياسية ومخاوف ممتدة في الصناعة بعد هذا الهجوم الاستثنائي.

ما أهمية الحادث؟

يمد الخط الساحل الشرقي للولايات المتحدة بـ45 في المئة من احتياجاته، أو ما قدره 2.5 مليون برميل يوميًا، وأي عطل في تدفقاته ينعكس سريعًا على الأسواق، وبالفعل لامست عقود البنزين في بورصة نيويورك أعلى مستوياتها في 3 سنوات يوم الاثنين قبل أن تقلص مكاسبها عند الإغلاق.

جاء هذا الهدوء السريع في سوق مشحون بالتوترات بالفعل نتيجة ضغوط الجائحة، وبعدما أعلنت الشركة المشغلة للخط «Colonial Pipeline»، مساء الاثنين، خطة لاستئناف العمل به بحلول نهاية الأسبوع الجاري، رغم إقرارها بأن «الوضع لايزال متقلبًا ويستمر في التطور».

تربط «كولونيال بايبلاين» مصافي التكرير من ساحل الخليج الأميركي بأكثر من 50 مليون مستهلك في الجنوب والشرق، وينقل خط الأنابيب الخاص بها البنزين والديزل وزيت التدفئة المنزلية ووقود الطائرات، ويمتد مسافة 5500 ميل (8850 كيلومتر) من تكساس إلى نيوجيرسي.

حدد مصرف «ويلز فارجو» 3 سيناريوهات محتملة كنتيجة للهجوم، وقال إن تاريخ إعادة التشغيل هو مفتاح القصة الحاسم، مشيرًا إلى أن السيناريو الأول ينطوي على إعادة التشغيل الجزئي خلال 5 أيام من الحادث بحلول يوم الأربعاء، وفيه لن تكون هناك تأثيرات كبيرة أو دائمة.

في السيناريو الثاني يستغرق الأمر من 6 إلى 10 أيام، وقد تحتاج المصافي إلى تقليل كمية النفط الخام التي تعالجها إذا ظل خط الأنابيب مغلقًا هذه المدة، وسترتفع المخزونات في ساحل الخليج الأمريكي، مما يتسبب في انخفاض الأسعار، فيما سترتفع الأسعار في الساحل الشرقي، والذي قد يلجأ إلى استيراد الوقود مع حدوث نقص في الإمدادات.

في السيناريو الثالث يستمر الإغلاق أكثر من 10 أيام، وسيتعين على المصافي في ساحل الخليج بشكل شبه مؤكد أن تقلل من تدفقاتها، وقد تضعف أسعار النفط مقارنة بالخام المنقول بحرًا لتشجيع الصادرات، ويقول المصرف في مذكرته: «توقعوا نقصًا كبيرًا في الوقود في المناطق الداخلية جنوب شرقي الولايات المتحدة».

ما سيحدث لاحقاً؟

قالت الشركة، الاثنين، إن أحد خطوطها يعمل مؤقتا تحت الإدارة اليدوية، فيما تعمل على استعادة العمليات الكاملة تدريجيًا، وهو الأمر الذي قد يستغرق بضعة أيام، ووفقا لتقديرات «كولونيال بايبلاين» فإن ذلك يعني الدخول في السيناريو الثاني الذي تحدث عنه «ويلز فارجو».

مع ذلك، بدت لهجة الشركة المشغلة للخط حذرة بعض الشيء، حيث قالت إن النجاح في استعادة التشغيل كاملًا بحلول نهاية الأسبوع الجاري يتطلب «علاجًا دؤوبًا» لأنظمتها وهو ما يستغرق وقتًا، مضيفة أن خطتها تستند إلى عوامل السلامة والامتثال.

في غضون ذلك، من المحتمل أن تتطور ضغوط الإمداد في السوق، نظرًا لعدم وجود تدفق للمنتجات على الخطوط الرئيسية منذ يوم الجمعة، وقال جاري بيفيرز، المستشار في صناعة الوقود بالجملة والتجزئة، إنه لا ينبغي حدوث «اضطرابات واسعة النطاق» إذا أعيد التشغيل بحلول نهاية الأسبوع، لكنه حذر من أن الأمر قد يشوبه بعض المعوقات والتأخير.

إعلان «كولونيال» السريع أنهى حركة أسعار المنتجات البترولية التي كان من الممكن أن تؤدي إلى مشاكل كبيرة لصناعة النقل بالشاحنات لو استمرت، لكن المشكلة لم تكن في ارتفاع الأسعار، ولكن أيضًا أن سائقي الشاحنات واجهوا صعوبات في الحصول على الوقود ومواصلة العمل.

في بيانها، قالت الشركة إنها تواصل تقييم مخزون المنتجات في صهاريج التخزين في منشآتها وغيرها على طول نظامها، وإنها تعمل مع الشاحنين لديها لنقل الديزل منخفض الكبريت إلى محطات التسليم المحلية، وهو الأمر الذي ستظهر تداعياته خلال الأيام القليلة المقبلة.

 

– أظهرت البيانات الأخيرة من إدارة معلومات الطاقة أن مخزونات الديزل منخفض الكبريت في منطقة الساحل الشرقي، كانت أقل بنحو 7 ملايين برميل من متوسط السنوات الخمس، وفقًا للتقرير الصادر في أواخر شهر أبريل.

أقرت عصابة إجرامية إلكترونية تدعى «DarkSide» بمهاجمة خط الأنابيب خلال عطلة نهاية الأسبوع، كما توقعت السلطات الأميركية، وقالت المجموعة على بيان موقعها الإلكتروني: هدفنا هو كسب المال لا خلق مشاكل للمجتمع.

أكد مكتب التحقيقات الفدرالي رسميًا أن «دارك سايد» هي المسؤولة عن المساومة على شبكات «كولونيال بايبلاين»، حيث استخدمت برمجية الفدية في هجومها، قائلًا إنه يواصل العمل مع الشركة والوكالات الحكومية الأخرى في التحقيق.

خلال خطاب حول الاقتصاد في البيت الأبيض يوم الاثنين، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إنه «يطلع شخصيًا» على الوضع يوميًا، مضيفا: لقد تحركت الوكالات الحكومية بسرعة للتخفيف من أي تأثير على إمدادات الوقود لدينا، ونحن على استعداد لاتخاذ خطوات إضافية اعتمادًا على سرعة تشغيل الشركة للخط.

يعرف عن المجموعة المهاجمة أنها تنشط في منطقة شرق أوروبا، وتكهن عدد من الباحثين في مجال الأمن السيبراني، بأن العصابة قد تكون روسية، حيث تتجنب برامجهم تشفير أي أنظمة كمبيوتر يتم تحديد اللغة فيها على أنها روسية.

استبعد بايدن فرضية تورط روسيا في الاعتداء الإلكتروني، قائلًا إنه يعتزم لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وانه حتى الآن لا يوجد دليل تستند إليه الاستخبارات الأميركية على تورط موسكو في الهجوم، لكنه يرى أنها تتحمل جزءًا من المسؤولية بشكل أو بآخر.

قالت دارك سايد، إنها مجموعة غير سياسية، ولا تنخرط في القضايا الجيوسياسية، وإنه لا ينبغي ربطها بحكومة محددة أو البحث عن دوافعها، مشيرة إلى أنها لم تكن على علم باستهداف «كولونيال» من قبل أحد فروعها، وأنها ستبدأ من اليوم في «الاعتدال والتحقق من كل شركة يرغب الشركاء في تشفيرها لتجنب العواقب الاجتماعية في المستقبل».

في هجوم الفدية الإلكتروني، يتلقى الضحايا رسائل تخبرهم بأن الحواسيب والخوادم الخاصة بهم مشفرة، وأنهم بحاجة للدفع مقابل فك هذا التشفير، وقد يهدد المهاجمون بنشر البيانات المسروقة أو حتى حذفها تمامًا من أنظمة الجهة المستهدفة. يسلط الحادث الضوء على المخاطر التي تشكلها هذه الهجمات على البنية التحتية الحيوية وليس فقط الشركات كما في السابق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى