القدس كشفت الجميع
بقلم: خيرالله خيرالله/كاتب لبنان

 

يكشف تجدّد رفض الفلسطينيين الأمر الواقع الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه في القدس أمورا عدّة. في مقدّم هذه الأمور، بعيدا عن المزايدات والشعارات الفارغة وصواريخ “حماس” المضحكة المبكية، أنّ الشعب الفلسطيني موجود ولا يزال يقاوم. ليس في استطاعة أيّ جهة إلغاء الشعب الفلسطيني. هذه باختصار عبارة تختزل كلّ ما جرى وما زال يجري، خصوصا في القدس.

ما تشهده القدس من دفاع للمواطنين الفلسطينيين عن بيوتهم وأرضهم في حي الشيخ جراح يؤكّد الحاجة إلى تسوية سياسية تأخذ في الاعتبار حقوق شعب موجود على خريطة الشرق الأوسط. لا بدّ في نهاية المطاف من خيار الدولتين مع ما يعنيه ذلك من قيام دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها القدس الشرقيّة المحتلّة في العام 1967.

كشف الفلسطينيون الذين هبّوا لنصرة حيّ الشيخ جرّاح والقدس بمقدساتها المسيحية والإسلاميّة كلّ من ادّعى المتاجرة بقضيتهم. كشفوا قبل كلّ شيء السلطة الوطنيّة الفلسطينية التي تذرّع رئيسها محمود عبّاس (أبومازن) بالقدس من أجل تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى أجل غير مسمّى. تغطّى بالقدس لتأجيل الانتخابات بعد رفض إسرائيل مشاركة أهل المدينة فيها. يبدو أن إسرائيل صارت تقرّر هل تجري انتخابات فلسطينية أم المطلوب تأجيل مثل هذه الانتخابات. هذه هي نقطة الضعف الرئيسية في منطق السلطة الوطنيّة. كلّ ما في الأمر أن “أبومازن” اكتشف أن “فتح” لن تفوز في الانتخابات وأن لائحة “فتح” ستواجه منافسة من لائحتين فتحاويتين أيضا هما لائحة ناصر القدوة ولائحة محمّد دحلان.

ليس أمام الفلسطينيين سوى أخذ أمورهم بأيديهم. وهذا ما فعلوه. لا خيار آخر أمامهم بعد انكشاف الأمور إقليميا ودوليا وحتّى في الداخل الفلسطيني

كشفت القدس “حماس” التي أخذت قطاع غزّة رهينة، وحوّلته سجنا في الهواء الطلق لمليوني فلسطيني. سارعت “حماس” إلى نجدة إسرائيل وذلك بإطلاق صواريخ من غزّة. لا نفع لهذه الصواريخ في الوقت الحاضر سوى خدمة إسرائيل التي تبحث عن عدوّ خارجي تبرّر به سياسة الاستيطان وسياسة الاستيلاء على الأراضي والممتلكات الفلسطينية في القدس.

تسعى “حماس” إلى استغلال الثورة الشعبيّة على الاحتلال في القدس كي تؤكّد أنّها موجودة. نعم إن “حماس”، التي تنتمي إلى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، موجودة. لكنّها موجودة لانّ كلّ ما فعلته منذ تأسيسها صبّ في خدمة اليمين الإسرائيلي.

كشفت القدس أيضا إيران التي تحتفل سنويّا بـ”يوم القدس”. لم تستطع إيران في يوم من الأيّام تقديم خدمة إلى القدس وإلى الفلسطينيين باستثناء التهديد بإزالة الكيان الصهيوني في دقائق. كلّ ما فعلته “الجمهوريّة الإسلاميّة” هو إطلاق الشعارات والمزايدة على العرب. كلّ ما فعلته عمليا هو محاربة ياسر عرفات عن طريق “حماس” والعمليات الانتحارية التي نفّذتها في مرحلة معيّنة بهدف واضح كل الوضوح هو أخذ إسرائيل إلى اليمين أكثر. ليس صدفة أنّ بنيامين نتانياهو في موقع رئيس الوزراء منذ 12 عاما… ولا قضيّة لديه سوى القضاء نهائيا على خيار الدولتين!

الفلسطينيون يرفضون الأمر الواقع الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه في القدس

كشفت القدس إسرائيل حيث فراغ سياسي لا سابق له. لا همّ لدى الأحزاب الإسرائيلية، في معظمها، سوى التخلّص من “بيبي” الذي ضاقت أكثرية الإسرائيليين ذرعا به. يؤكّد ذلك تفضيل اليميني المتطرّف نافتالي بينيت التعاون مع الوسطي يائير لابيد على التعاون مع نتانياهو من أجل تشكيل حكومة جديدة. لا وجود في إسرائيل، التي أجريت فيها أربع انتخابات في سنتين، لقيادة سياسيّة قادرة على اتخاذ قرار في شأن التسوية مع الفلسطينيين. لا يوجد، إلى الآن، سياسي إسرائيلي يمتلك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بأن الشعب الفلسطيني لن يختفي من الوجود بين ليلة وضحاها وأنّ لديه حقوقه “غير القابلة للتصرّف” باعتراف الأمم المتحدة.

الأكيد أنّ لا وقت للإدارة الأميركية الجديدة للاهتمام بالشأن الفلسطيني – الإسرائيلي. لم تقل الإدارة يوما بلسان أيّ مسؤول فيها إنّ هناك أولويّة لهذا الشأن. الإدارة منشغلة حاليا بأمور أخرى، بينها إيران والصين وروسيا، والأهمّ من ذلك كلّه الوضع الداخلي في الولايات المتحدة. من دون تحسّن الاقتصاد خلال أشهر ومن دون تقدّم كبير في مواجهة “كوفيد – 19” وآثاره ستخسر الإدارة مجلسي الكونغرس في انتخابات لا يفصل عنها سوى سنة ونصف سنة. هذا معناه أن إدارة بايدن ستتحوّل إلى بطة عرجاء لا أكثر. وهذا ما يشغل بال الرئيس الأميركي قبل أيّ شيء آخر.

ثمّة من سيسأل أين العرب؟ هناك عرب تستخدمهم إيران للمتاجرة بالقضيّة الفلسطينية تحت شعار “المقاومة والممانعة”. على رأس هؤلاء النظام السوري الذي لا يريد الاعتراف بأنّه انتهى وسيبقى يمارس هوايته المفضّلة، أي إعطاء كل التبريرات كي يكون الاحتلال الإسرائيلي للجولان أبديّا. وهناك عرب آخرون صادقون. ليس بين هؤلاء العرب من يريد بيع الفلسطينيين أوهاما… باستثناء أدوات إيران المنتشرة بشكل ميليشيات مذهبيّة في كلّ أنحاء المشرق العربي وصولا إلى اليمن!

من يسأل أين العرب، عليه أن يسأل نفسه أوّلا هل تركت إيران أيّ دولة عربيّة تهتم بفلسطين بعدما أفلتت ميليشياتها في المنطقة؟ لا توجد فضيحة أكبر من فضيحة ابتزاز المملكة العربيّة السعوديّة عن طريق اليمن وصواريخ الحوثيين… والسعي إلى إسقاط الحكومة العراقيّة برئاسة مصطفى الكاظمي عن طريق اغتيالات تنفّذها مجموعات ذات انتماءات معروفة كما حصل أخيرا في كربلاء..

في نهاية المطاف، لا بدّ أن يأتي اليوم الذي سيتوجب فيه على إسرائيل مواجهة الحقيقة، بما في ذلك أن القدس الشرقيّة محتلّة وأنّ الاحتلال لا يمكن أن يستمرّ إلى الأبد. ما الذي يمكن لإسرائيل عمله، بكلّ جبروتها، في مواجهة ما يصل إلى ثمانية ملايين فلسطيني بين البحر والنهر، بين البحر المتوسّط ووادي الأردن، هذا عدا الفلسطينيين المنتشرين في مختلف أنحاء العالم؟

عاجلا أم آجلا، لا مفرّ من أصوات عاقلة في إسرائيل نفسها، أصوات تعترف بأنّ لا مفرّ من التعاطي مع الواقع وأنّ القدس العربيّة كشفت الجميع. كشفت أنّها مدينة محتلّة تمتلك من يدافع عنها ومن يضع حدّا لجنون استمرّ طويلا، جنون غذّاه التطرف داخل إسرائيل وخارجها، أي ما يسمّى حلف المتطرّفين في المنطقة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى