أمريكيون لبايدن: لا يمكننا الاستمرار في تغطية العنصرية ونتنياهو يسابق الوقت
بقلم: اكرم كمال سريوي
النشرة الدولية –
يعلم رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو أنه لا يستطيع القضاء على حماس، وأن الوضع الداخلي والدولي ليسا في صالحه، وهو لا يمكنه تنفيذ اجتياح بري لقطاع غزة، لأن ذلك سيكون مكلفاً جداً له، على كافة الصعد البشرية والمادية، فإسرائيل لم تخرج من القطاع لتعود وتغرق في وحُوُلِه الآن ، فلماذا إذن إشعال هذه الحرب؟
عانت إسرائيل في الفترة الأخيرة من أزمة حكم، فتشرذم الأحزاب والقوى السياسية التي أنتجها نظام الانتخابات النسبي المتّبع في البلاد، جعل من الصعوبة تشكيل أغلبية برلمانية، والاتفاق على حكومة. وبعد إجراء أربع انتخابات نيابية في غضون سنتين، فشل نتنياهو في الحصول على أغلبية، وتم تكليف زعيم حزب «هناك مستقبل» الصحفي السابق يائير لبيد لتشكيل حكومة ، وهو كان قد شغل منصب وزير المالية في حكومة نتنياهو عام ٢٠١٣، وتم اتهامه بعدها بجرائم فساد، لكنه عاد إلى الواجهة في الانتخابات الأخيرة، بعد ان حصل حزبه على ١٧ مقعداً، ليكون منافس نتنياهو الأول .
يرفض نتنياهو الملاحق أمام القضاء بجرائم فساد أن يذهب إلى المعارضة، وهو يخشى أن يُشكّل ذلك نهاية لمستقبله السياسي، وهو يعلم جيداً أن المجتمع الاسرائيلي بدأ مع الجيل الجديد يتخلى شيئاً فشيئاً عن العسكرة، ويجنح نحو ترف العيش، فالعالم يتغيّر. لذا كان لا بد له من اعتماد استراتيجية «الصدمة».
بعد الإعلان عن عزم القضاء الإسرائيلي إصدار حكم يقضي بإخلاء منازل في حي الشيخ جراح، يقطنها قرابة ٢٠٠ فلسطيني في القدس الشرقية، بحجة أن يهوداً كانوا يشغلونها قبل عام ١٩٤٨ ، في حين يرفض القضاء النظر في الدعاوى التي قدمها الفلسطينيون باغتصاب اليهود لمنازلهم، والتي تشكّل أكثر من ٣٠٪ من القدس الغربية، حاول المتشددون اليهود اقتحام المسجد الأقصى، فاندلعت الصدامات، وعمد الجيش الإسرائيلي إلى اعتقال عشرات الشبان الفلسطينيين .
استغل نتنياهو الوضع في محاولة للهروب إلى الأمام، وعينه على إجراء انتخابات خامسة يستطيع من خلالها شد العصب اليهودي، واقناع الاسرائيليين بانه وحده المنقذ، خاصة أنه كان قد وصف يائير لبيد بأنه طري العود وغير جدير برئاسة الحكومة.
فشل الوفد الإسرائيلي في إقناع الإدارة الأمريكية بوقف المفاوضات مع إيران وعدم العودة إلى الاتفاق النووي، فالرئيس بايدن كان من مؤيدي الاتفاق في عهد الرئيس اوباما، وهو يضع اليوم نصب عينيه خطر المارد الاقتصادي الصيني وروسيا العسكرية، وبعد الاتفاق الأخير بين إيران والصين الذي ستصل قيمته إلى أكثر من ٤٠٠ مليار دولار، اكتشف بايدن خطأ إدارة ترامب بانسحابها من الاتفاق النووي، حيث قدّمت هدية ثمينة إلى الصين، التي حلت مكان الشركات الغربية وخاصة الأوروبية منها في إيران.
يسيطر اليهود على إدارة بايدن، ولذا جاءت تصريحاته الأخيرة باردة تجاه إسرائيل حيث أعلن: «أنه لم يكن هناك رد فعل مبالغ فيه من قبل إسرائيل»
أما وزير دفاعه أويد أوستن فقال: «اتصلت بوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس يوم السبت وأكدت مجدداً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأدنت استهداف حماس للمدنيين الإسرائيليين».
وبعد هذه التعويذة الأمريكية شهدت أمريكا انتقادات عديدة، خاصة من النواب الليبراليين الديمقراطيين الذين انتقدوا البيت الأبيض، على استرضائه إسرائيل وتجاهل العنف، وسألوا بايدن: «هل للفلسطينيين الحق بالبقاء؟».
من الواضح وجود انقسام داخل حزب بايدن ، حيث كتب مندوب نيويورك الكسندريا أوكاسيو كورتيز على تويتر: «إذا لم يستطع بايدن الوقوف في وجه حليفه، فمن يمكنه الوقوف في وجهه؟ وكيف يمكنه أن يدّعي بمصداقية الدفاع عن حقوق الإنسان؟
وكتب السناتور بيرني ساندرز وهو من ولاية فيرمونت مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان “يجب على الولايات المتحدة التوقف عن كونها مدافعاً عن حكومة نتنياهو. ” وقال فيه: «في الشرق الأوسط حيث نقدم ٤ مليارات دولار سنوياً لمساعدة إسرائيل، لم يعد بإمكاننا الاعتذار عن حكومة نتنياهو اليمينية وسلوكها العنصري … يجب علينا تغيير المسار واعتماد نهج عادل، فهذا يدعم ويعزز القانون الدولي فيما يتعلق بحماية المدنيين، وكذلك القانون الأمريكي الذي ينص على أن تقديم المساعدة العسكرية الأمريكية يجب أن لا يسمح بانتهاكات حقوق الانسان … على مدى أكثر من عقد من حكمه اليميني في إسرائيل زرع السيد نتنياهو نوعاً متزايداً من التعصب والاستبداد والعنصرية القومية».
وقالت إليزابيت وارين سناتور ماساتشوستس في تصريح لمجموعة جي ستريت المؤيدة لإسرائيل: من خلال الاستمرار في تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل دون قيود، فإننا لا نقدم أي حافز لإسرائيل لتغيير مسارها.
أما النائب عن متشيغان رشيدة طليب فكتبت عبر تويتر: إن استهداف إسرائيل للمصادر الإعلامية ، يمنع العالم من رؤية جرائم الحرب الإسرائيلية، التي يقودها رئيس الفصل العنصري نتنياهو.
وكذلك كتب السناتور الديمقراطي من ولاية ماريلاند كريس فون هولين، الذي يعمل في لجنة العلاقات الخارجية: إن عمليات الإخلاء المخطط لها، تنتهك القوانين الدولية، وتشكك في التزام الإدارة بحقوق الإنسان.
لم تعد إسرائيل قادرة على التعتيم على جرائمها، ولا قادرة على خداع الرأي العام العالمي، فالإعلام اليوم بات في متناول الجميع، وكل فرد تقريباً بات قادراً على اكتشاف الحقيقة ونشرها أمام الناس، ولذا أصبحت القضية الفلسطينية قضية عالمية، ترتبط باحترام حقوق الانسان والقانون الدولي وحق تقرير المصير، وأصبحنا نرى المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في عدة مدن أمريكية وأوروبية، وحتى بين اليهود هناك من يدعم حقوق الشعب الفلسطيني.
تحت هذا الضغط رفض بايدن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وعيّن المعتدل والمتوازن توماس نيدس، الذي يدعم حل الدولتين، سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل، بدلاً من ديفيد فريدمان الذي دعم صفقة القرن ووصفه نتنياهو بأفضل صديق لإسرائيل.
لأول مرة تتهم هيومن رايتس ووتش إسرائيل بارتكاب جرائم قتل وسياسات تمييز عنصري ضد الفلسطينيين، وتتعالى أصوات عِدّة جمعيات حقوقية، تندد بجرائم الاحتلال، وتطالب بمحاكمة قادته، ولقد فتحت محكمة العدل الدولية الشهر الماضي تحقيقاً في جرائم حرب إسرائيلية محتملة.
تستمر إسرائيل في عملية قتل الفلسطينيين في غزة، بما يشبه الانتقام والإبادة الجماعية غير المبررة، وفي غياب أي تناسب أو توازن بين الأسلحة المستعملة، ولقد فاق عدد القتلى في غزة ١٨٢ شهيداً بينهم ٥٢ إمرأة و ٣١ طفلاً، ورغم ذلك يُظهر الفلسطينيون وحدة وصموداً، ويفرضون إيقاعاً جديداً للمعركة، بحيث وصف نتنياهو الإسرائيليين بأنهم يعيشون اليوم في جهنم، فلقد فرضت الفصائل حضر تجول على تل ابيب ومعظم المدن والمستوطنات على مسافة حتى ٨٠ كلم من غزة ، وتم إغلاق مطار بنغريون وامتنعت عدة شركات عن توجيه رحلات إلى المطارات الاسرائيلية، وباتت إسرائيل تحاصر نفسها في لعبة عض الأصابع، التي لا بد أن تنتهي باتفاق لوقف اطلاق النار، لكن نتنياهو لن يكون رابحاً كما يشتهي، فحتى في الداخل الإسرائيلي خرج من يطالبه بوقف العدوان، ويتظاهر مع الفلسطينيين تحت عنوان «لا نريد أن نكون أعداء».