خيارات ثلاثة أمام الإسرائيليين
بقلم: عريب الرنتاوي
النشرة الدولية –
أين ستأخذ الموجة الراهنة الحروب والانتفاضات والمواجهات، بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ هل ستقربنا من سيناريو «حل الدولتين»؟ … هل سيصبح حل الدولة الواحدة، الديمقراطية العلمانية، أقرب منالاً؟ … هل سيتعين على أحد طرفي صراع الوجود هذا، حزم حقائبه، والمغادرة؟ … ومن هو هذا الطرف، هذه المرة؟
إسرائيل رفضت «حل الدولتين»، وقاومته بكل ما أوتيت من أدوات القمع والاضطهاد والتهجير والاستيطان، لم تترك أداة من أدوات الفصل العنصري إلا وفعّلتها، من أجل تحويل حياة الفلسطيني، تحت الاحتلال والحصار، وخلف ما كان يُعرف بـ»الخط الأخضر»، إلى جحيم لا يطاق…إسرائيل ترفض إنهاء والاحتلال الذي بدأ عام 1967، وتصر على تقطيع أوصال القدس والضفة، وعزل قطاع غزة، خلف سياج عنصري شائك، وتحويله إلى سجن كبير، ولكنها في المقابل، لا تريد الذهاب إلى خيار «الدولة الواحدة»، وتقاومه بشراسة أشد من مقاومتها لـ «حل الدولتين».
إسرائيل التي تحولت غالبيتها قواها السياسية والحزبية إلى «طبعات متفاوتة» من اليمين الديني (الحريدي) والقومي (الفاشي)، لا تريد حل الدولة الواحدة ولا حل الدولتين…وهي تترك الجميع إمام سيناريو «حرب الإلغاء»، إما نحن أو أنتم … قبل سنوات، كنّا نخشى «الترانسفير» كبديل إسرائيلي متطرف لمختلف الحلول والتسويات … اليوم، بعد انتفاضة القدس، بدأ الإسرائيليون أنفسهم، يعبرون عن خشيتهم من «ترانسفير» طوعي، يأخذ شكل «هجرة معاكسة»، حذّرت منها شخصيات أمنية وسياسية وفكرية إسرائيلية وازنة، بعد أن تحولت «واحة الديمقراطية والعقلانية» في صحراء الشرق الأوسط القاحلة، إلى مجرد واحدة من دوله الفاشلة، حيث تتفشى الإيديولوجيا الدينية وثقافة الكراهية، وتنتشر المليشيات المدججة بالسلاح والعنصرية، وتتحول الأجهزة الأمنية إلى تنظيمات «شبة عسكرية»، تنفذ أجندة المتطرفين المتدينين والفاشيين (دواعش إسرائيل)، فيما النظام القضائي يشهد انهيارات متسارعة، تجعل نسخة غير مزيدة وغير منقحة للأنظمة القضائية في دول الفساد والاستبداد وجمهوريات الموز.
إسرائيل، دولة اليهود فقط، التي فشلت في حل مشكلة الأقليات، والتي طالما أقنعت العالم بتفوق منظومتها القيمية والأخلاقية، تتهاوى اليوم، كما تنهار أبراج غزة على رؤوس ساكينها من مدنيين وصحفيين وإعلاميين … الوقت يقترب بسرعة لم تكن متخيّلة قبل أسبوعين، لكي تتكشف عوارت نظام التمييز العنصري المجرد من كل قيد أخلاقي أو قيمي … الفلسطينيون اليوم، يتجهون نحو لحظة تفوق أخلاقي وقيمي، يتردد صداها في شوارع مختلف مدن العالم وعواصمه.
على الأرض، الفلسطينيون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، حتى في (عزّ) انطلاقة ثورتهم وحركتهم الوطنية المعاصرة، شعب واحد موحد، لا تفصله بعضه عن بعض، خطوط خضراء أو حمراء أو صفراء … وينخرطون في مشروع وطني، يتعين أن يكون واحداً، ومراعياً في الوقت ذاته، لخصائض وأولويات كل قطاع من قطاعاتهم، ويلحظ اختلاف أدواته الكفاحية المناسبة.
الفلسطينييون اليوم، تنقصهم قيادة وطنية واحدة موحدة، تدير مشروعهم الوطني الواحد الموحد، تفتح أمام أجيالهم الشابة، أفقاً سياسياً رحباً، وتشق لها قنوات المشاركة الفاعلة … ما لدى الفلسطينيين من أطر وقيادات وهياكل، تواجه اليوم لحظة الحقيقة والاستحقاق، والأرجح أنها استنفذت أدوارها التاريخية، وثمة حاجة لكي تنبثق قيادات جديدة، من رحم المنتفضين والمقاومين، وفي مختلف الساحات وخطوط التماس وجبهات القتال … التاريخ لن يرحم القيادات الهرمة والأطر المهترئة، إن هي نجحت في توظيف تضحيات الشعب الفلسطيني وآلامه، لإبقاء القديم على قدمه، ومن أجل تجريب المجرب، للمرة الألف على التوالي.