“نفسي مثقلةٌ بأثمارها” لجبران خليل جبران

النشرة الدولية –

نفسي مثقلة بأثمارها فهل من جائع يجني و يأكل و يشبع ؟

أليس بين الناس من صائم رؤوف يفطر على نتاجي و يريحني من أعباء خصبي و غزارتي ؟

نفسي رازحة تحت عبءٍ من التبر و اللجين فهل بين الناس من يملأ جيوبه  و يخفّف عنّي حملي ؟

نفسي طافحة من خمرة الدهور فهل من ظامىء يسكب و يشرب و يرتوي ؟

هوذا رجلٌ واقف على قارعة الطريق يبسط نحو العابرين يداً مفعمة بالجواهر و يناديهم قائلاً: ألا فارحموني و خذوا مني، اشفقوا عليّ و خذوا ما معي. أما الناس فيسيرون و لا يلتفتون.

ألا ليته كان شحاذاً متسوّلاً يمدّ  يداً مرتعشة نحو العابرين و يرجعها فارغة مرتعشة. ليته كان مُقعداً أعمى يمرّ به الناس و لا يحفلون.

هوذا ابنة الملك الأكبر قد استيقظت من رقادها و هبّت من مضجعها و قامت فتردّت بالأرجوان وتزيّنت بالؤلؤ و نثرت المسك على شعرها و غمست  بصحن العنبر أصابعها ثم خرجت إلى حديقتها و مشت و قطرات الندى تبلّل أطراف ثوبها. في سكون الليل سارت ابنة الملك الأكبر في جنّتها تبحث عن حبيبها. و لكن لم يكن في مملكة أبيها من يحبّها.

ألا ليتها كانت ابنة معّازٍ ترعى أغنام أبيها في الأودية و تعود مساءً إلى كوخ أبيها و على قدميها غبار المنعكفات و بين طيّات ثوبها رائحة الكروم. حتى إذا ما جنّ الليل و نام سكّان الحيّ اختلست خطواتها إلى حيث يترقبها حبيبها.

ليتها كانت عجوزاً مسنّة تجلس مستدفئة في أشعة الشمس بمن تقاسموا صباها، فذاك خير من أن تكون ابنة الملك الأكبر و ليس في مملكة أبيها من يأكل قلبها خبزاً و يشرب دمها خمراً !

نفسي مثقلة بأثمارها و طافحة بخمرها …

ألا ليتني كنت شجرة لا تزهِر، و لا تثمر، فألم الخصب أمرّ من ألم العقم، و أوجاع ميسور لا يؤخذ منه أشدّ هولاً من قنوط فقير لا يُرزق.

ليتني كنتُ بئراً جافة و الناس ترمي بي الحجارة فذلك أهون من أن أكون ينبوع ماء حي و الظامئون يجتازونني و لا يستقون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى