هيمنة وسائل الإعلام الغربية
بقلم: بروجيكت سنديكيت
النشرة الدولية –
تتشكل المفاهيم الدولية من خلال كيفية عرض المنظمات الإعلامية الغربية المُهيمنة للأخبار، وكما أظهر وباء الإيبولا، فإن الصور والقصص المُثيرة تجعلنا نعتقد أن المأساة المُروعة أسوأ أو أكثر انتشارا مما هي عليه في الواقع، مع أن حالات الإصابة والوفيات بالإيبولا اقتصرت على ثلاث دول في غرب إفريقيا.
عند الإبلاغ عن أي مأساة جماعية، فإن القاعدة الأساسية للصحافة هي أن يكون الصحافيون متعاطفين مع الضحايا وأولئك الذين يشعرون بالحزن ويمرّون بالأزمة، فعادة ما تلتزم وسائل الإعلام الغربية بهذه القاعدة في مجتمعاتها ولكنها تتجاهلها عند الإبلاغ عن الكوارث في المجتمعات غير الغربية.
تُعد تغطية الموجة الثانية المُدمرة من فيروس كوفيد19 في الهند أكبر مثال على ذلك، فامتلأت وسائل الإعلام الغربية بصور الجثث وغيرها من المشاهد المُصورة التي لم يتم عرضها عموما في أعقاب كارثة مُماثلة في دولة غربية، فتم تسجيل نحو نصف معدل الوفيات المرتبطة بفيروس كوفيد19 العالمية في أوروبا والولايات المتحدة وحدهما، ومع ذلك، تجنبت وسائل الإعلام الغربية نشر صور مُروعة من تلك البلدان.
حتى في ذروة الوباء في الولايات المتحدة وأوروبا، لم يكن من المعقول أن تدخل أطقم التلفزيون إلى غرف الطوارئ لإظهار مدى إرهاق الأطباء والممرضين، ومع ذلك تم بث مثل هذه المشاهد دوليا من داخل المستشفيات الهندية، مع القليل من القلق بشأن كيفية تأثير الاقتحام والتطفل على قرارات الحياة أو الموت، كما يُطارد صحافيو التلفزيون العائلات الهندية التي فقدت أحباءها، وحوّلوا حزنهم الخاص إلى مشهد عام للاستهلاك الغربي.
عند تغطية حالات الحزن في بلدانهم، تكون المؤسسات الإعلامية نفسها أكثر حرصا، على سبيل المثال، تضمنت تغطية المقابر الجماعية التي يتم حفرها لاستيعاب الطفرة المبكرة لوفيات فيروس كوفيد19 في مدينة نيويورك صورا معقمة لحقول ضبابية مُحاطة بالأشجار، وعلى النقيض من ذلك، سنتذكر تجربة الجائحة في الهند بسبب الصور المؤلمة للجثث التي تحترق في المحارق، وهي الصور التي بثتها وسائل الإعلام الغربية في جميع أنحاء العالم.
تُعد النار الجنائزية مجازا كلاسيكيا في الروايات الغربية وقصص الرحلات واللوحات عن الهند، ومن خلال توجيه كاميراتها إلى محارق الجثث، تعمل وسائل الإعلام الغربية على إرضاء هوس جمهورها بالتقاليد الهندوسية المُتمثلة في حرق الموتى (على الرغم من أن هذه الممارسة الصديقة للبيئة تنتشر بشكل متزايد في الغرب). تم تجاهل حقيقة أن عرض الصور المروعة لمحارق الجثث هو غزو بشع وغير مُحترم للغاية لما له شأن خاص للغاية في الهند، والذي تم تجاهله تماما في هذه التغطية.
هذه ليست المرة الأولى التي تكون فيها وسائل الإعلام الغربية غير متعاطفة في تغطية الكوارث في الخارج، فخلال تغطية أحداث كارثة فوكوشيما عام 2011، تم التعامل مع الضحايا كما لو أنهم قضية ثانوية للقصة الأكثر وضوحا لحادث التسرب الإشعاعي، وكانت التقارير الغربية أيضا مليئة بالصور النمطية الثقافية والعنصرية: فقد أُطلق على العمال الذين ظلوا في الخلف للتعامل مع المفاعلات النووية التي تعرضت للحادث اسم “الساموراي النووي” و”التضحيات البشرية” و”النينجا النوويين في مهمة انتحارية”.
في الواقع، لم تُسجل أي إصابات بسبب التسريبات الإشعاعية في فوكوشيما، بسبب الإخلاء الوقائي لسكان المنطقة البالغ عددهم 100.000 نسمة، ومع ذلك، لم يمنع هذا وسائل الإعلام الغربية من تغذية الهستيريا بمقارنات كاذبة وتحريضية مع كارثة تشيرنوبيل، ونتيجة لهذه التغطية المثيرة، بدأت سفن الشحن في تجنب الموانئ اليابانية- حتى تلك البعيدة عن فوكوشيما- وأجلت عدة دول مواطنيها من طوكيو ومدن أخرى.
تُقدم وسائل الإعلام الغربية نهجا مماثلاً لإفريقيا، وتُصورها على أنها قارة حافلة بالقبائل الهمجية، والكوارث المُستمرة، وعدد قليل جدا من الوجوه السعيدة والمُبتسمة، وتسبب وباء الإيبولا 2014- 2016 الذي اجتاح غينيا وليبيريا وسيراليون في نهاية المطاف في مقتل 11.325 شخصا، مما يعني أن عدد الوفيات على مدار عامين كان تقريبا مثل عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كوفيد19 في الولايات المتحدة خلال يومين قبل ثلاثة أشهر فقط، ومع ذلك، كانت تغطية وسائل الإعلام الغربية لقصة الإيبولا تدور حول أكياس الجثث وممارسات الحداد التقليدية وطقوس الدفن في غرب إفريقيا. مُنحت جائزة بوليتزر لعام 2015 للتصوير الفوتوغرافي المُتميز لمُصور صحافي مُستقل قام بتعقب جامعي الجثث ونشر تقرير عن معاناة وموت ويأس سكان غرب إفريقيا في صحيفة نيويورك تايمز.
ومن ناحية أخرى، لم تبرز تغطية جائحة كوفيد19 (أكبر كارثة صحية عالمية في عصرنا) في أي من جوائز أو ترشيحات بوليتزر لعام 2020، وعندما يتم الإعلان عن جوائز عام 2021 في يونيو القادم، من غير المتوقع أن يتم منح أي منها للصحافيين الذين نشروا تقارير عن الوفيات الناجمة عن الجائحة في الغرب، ومن المرجح أن تأتي تغطية وسائل الإعلام الغربية الواضحة للمعاناة والحزن واليأس والعجز من بلدان بعيدة، وفي حين نادرا ما يتم نشر صور القتلى من الجنود الأميركيين، إلا أن صور القتلى الأفغان والعراقيين وآخرين شائعة للغاية.
في الواقع، لا ينبغي اعتبار وسائل الإعلام الغربية على أنها أحادية النظام، نظرا إلى أنها تخضع لسيطرة المنافذ الأنجلو أميركية، كما أن وسائل الإعلام الغربية لا تُعارض تقديم تغطية مُثيرة للأخبار السيئة عندما تحدث في الداخل، لكن النمط العام واضحٌ للغاية: تميل التغطية الإعلامية الغربية للكوارث في بلدان أخرى إلى الاتجار بالصور النمطية الثقافية وانتهاكات الخصوصية والكرامة التي لن يتم قبولها في الغرب.
فهذه المعايير المُزدوجة لها آثار مهمة، وتتشكل المفاهيم الدولية من خلال كيفية عرض المنظمات الإعلامية الغربية المُهيمنة للأخبار، وكما أظهر وباء الإيبولا، فإن الصور والقصص المُثيرة تجعلنا نعتقد أن المأساة المُروعة أسوأ أو أكثر انتشارا مما هي عليه في الواقع، فقد اقتصرت حالات الإصابة والوفيات بالإيبولا تقريبا على ثلاث دول في غرب إفريقيا، ومع ذلك أصبح الفيروس مرتبطا بإفريقيا ككل.
إن واجب الصحافي هو الإعلام لا استغلال المعاناة الإنسانية من خلال تغطية متطفلة ومتلصصة مدفوعة بالتقييمات للمآسي في البلدان البعيدة. تعلو الصحافة الجيدة على التغطية المبتذلة والاعتماد على قيمة الصدمة، ومع تحور الفيروس التاجي بسرعة وظهور سلالات جديدة خطيرة، نحن بحاجة ماسة إلى تقارير إخبارية متعاطفة ومسؤولة.