نظام الأسد يهجّر مقاتلين وعائلات بالقرب من الجولان برعاية روسية
النشرة الدولية –
الحرة –
على بعد أمتار قليلة من هضبة الجولان فرض نظام الأسد وروسيا اتفاقا “صعبا” على عشرات المقاتلين السابقين في فصائل المعارضة، إذ قضى بترحيلهم مع أسرهم إلى مناطق الشمال السوري، في خطوة تعيد الذاكرة إلى “سيناريو التهجير”، الذي عاشته عدة مناطق سورية خلال سنوات الحرب الماضية.
المقاتلون وعائلاتهم من أبناء بلدة “أم باطنة” بريف محافظة القنيطرة، وبحسب ما قالت مصادر إعلامية في تصريحات لموقع “الحرة”، توجهوا صباح الخميس إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة في شمال سوريا، برفقة عناصر وعربات الشرطة العسكرية الروسية.
وتضيف المصادر: “اتفاق التهجير وقع كالصدمة على أهالي محافظة القنيطرة ككل، كونه يأتي بعد أكثر من عامين من الاتفاق السابق والذي قضى في أواخر 2018 بتهجير أكثر من 2500 شخص بين مدني وعسكري”.
وتوضح المصادر: “عدد الأشخاص المرحلين 68 شخصا، 17 مقاتلا مع عائلاتهم. خرجوا من أم باطنة في 3 حافلات، ومن المفترض أن يصلوا في الساعات المقبلة إلى معبر أبو الزندين الذي يفصل مناطق سيطرة النظام السوري مع سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا”.
ولم يعلّق نظام الأسد وروسيا على الاتفاق الذي شهدته بلدة أم باطنة، والتي تقع في مثلث تلاقي ريف دمشق مع القنيطرة ومحافظة درعا. منطقة “استراتيجية” شكلت عصب العمليات العسكرية في السنوات الأولى من الحراك المسلح في سوريا، والتي شاركت فيها ميليشيات إيرانية وأخرى تتبع لـ”حزب الله” اللبناني.
كيف بدأت القصة؟
يرتبط اتفاق تهجير المقاتلين وعائلاتهم مع الهجمات المسلحة التي تعرضت لها مواقع عسكرية لقوات الأسد وأخرى تتبع لميليشيات تدعمها طهران في المنطقة. وكان آخر هذه الهجمات في الأول من شهر مايو الحالي.
وفي تلك الفترة اتهم “فرع الأمن العسكري في القنيطرة” المعروف باسم “فرع سعسع” عددا من المقاتلين السابقين في فصائل المعارضة ببلدة أم باطنة بالوقوف وراء هجمات.
وقال الفرع الأمني المعروف بسطوته الكبيرة في جنوب سوريا إنهم مسؤولون عن الهجمات، التي طالت واحدة منها نقطة عسكرية للميليشيات الإيرانية، بالقرب من السياج الحدودي الفاصل بين سوريا والأراضي المحتلة من إسرائيل.
وعلى إثر الاتهامات طلب “فرع سعسع” تسليم الأشخاص المتهمين من جانبه، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض من الأشخاص أنفسهم ومن قبل اللجان المركزية في محافظة القنيطرة، لتدخل هذه القضية في سلسلة مفاوضات، أفضت في نهاية المطاف إلى تخيير المتهمين بتسليم أنفسهم أو الخروج من المنطقة إلى الشمال السوري.
وحصل موقع “الحرة” على أسماء المقاتلين الذين تم تهجيرهم من بلدة أم باطنة صباح الخميس، وهم من ثلاثة عائلات: السعيد، الزامل، الأسعد.
بدورها أشارت مصادر عسكرية من ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة الفصائل المدعومة من تركيا إلى تجهيزات لاستقبال المقاتلين وعائلاتهم، بعد وصولهم إلى معبر “أبو الزندين”.
وقالت المصادر التي تعمل ضمن “الجيش الوطني السوري”: “هناك تنسيق من قبل فصائل الجيش الوطني لإدخال المهجرين، وأيضا تنسيق آخر بين اللجان المحلية وبعض المنظمات لتأمين منازل ومأوى لهم، حال وصولهم إلى المنطقة”.
“خلفيات الاتفاق”
ورغم أن “اتفاق التهجير” في بلدة أم باطنة ليس الأول في الجنوب السوري، إلا إن الظرف الذي يأتي فيه يفتح عدة تساؤلات، لاسيما أنه يتزامن مع استعدادات نظام الأسد لتنظيم الانتخابات الرئاسية في 26 من مايو الحالي.
وقد يكون الاتفاق لافتا أيضا من نقطة أن موقع أم باطنة “حساس واستراتيجي”، كونه لا يبعد إلا أمتار قليلة عن هضبة الجولان، والتي تصر إسرائيل على إبعاد أي وجود إيراني فيها.
ووفق المصادر الإعلامية التي تحدث إليها موقع “الحرة” فإن جميع الأشخاص “المهجرين” كانوا سابقا ضمن صفوف فصائل المعارضة في القنيطرة، ورفضوا الانتساب منذ عام 2018 إلى أي فرع أمني أو عسكري يتبع لقوات الأسد. على عكس ما شهدته محافظة درعا المجاورة.
الباحث السوري، وائل علوان يرى أن هناك اهتماما إيرانيا بمحافظة القنيطرة بجنوب سوريا، وبدا ذلك في السنوات الثماني الماضية، حيث تسعى الميليشيات المدعومة من طهران على تعزيز نفوذها على كامل الخطوط الحدودية الجنوبية في سوريا، من أجل تثبيت الاستقرار الأمني الخاص بها.
لكن ما حصل في بلدة أم باطنة اعتبر الباحث السوري أنه اتفاق تم برعاية وضغط روسي على نظام الأسد.
ويوضح ذلك بالقول: “سبب الاتفاق وبدقة هو أن روسيا حريصة كل الحرص على تأمين استقرار أمني شبه كامل في القنيطرة وريف دمشق، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية التي ترعاها وتشرف عليها بشكل كامل”.
ويشير علوان إلى أن الجهود الروسية لتحقيق الاستقرار الأمني “النسبي” في جنوب سوريا باءت بالفشل حتى الآن و”لم تؤت ثمارها، وهناك دائما تخوفات روسية كبيرة وبالغة في أن تبقى الفوضى الأمنية وحالة عدم استقرار سائدة”.
وزاد الباحث السوري: “هناك حالة فوضى ترصدها روسيا بشكل مستمر في بلدات سفح جبل الشيخ وريف دمشق الغربي. ذلك يدفع إلى مخاوف في تأثيرها على الانتخابات الرئاسية غير المتقبلة مجتمعيا في معظم المناطق التي خرجت سابقا عن سيطرة نظام الأسد”.
“اتفاق 2018”
عند الحديث عن محافظة القنيطرة في السنوات العشر الأخيرة لابد من الوقوف على محطة فاصلة دخلت بها في عام 2018، في أثناء “اتفاق التسوية” الذي فرضه نظام الأسد بدعم ورعاية من الجانب الروسي على أكثر من ألفي مقاتل وعائلاتهم.
ويعتبر ملف القنيطرة حساسا قياسا ببقية مناطق الجنوب السوري، كونها منطقة محاذية للجولان المحتل من إسرائيل.
ونص الاتفاق الذي وقع في “فرع سعسع” في ذلك الوقت على خروج مقاتلي فصائل المعارضة الرافضين لـ”التسوية” إلى محافظة إدلب شمال غربي البلاد، وتسوية أوضاع الراغبين بالبقاء.
كما نص على عودة قوات الأسد إلى النقاط التي كان فيها قبل عام 2011، أي منطقة فك الاشتباك مع إسرائيل الموقع عليها في عام 1974. وأتاح أيضا نفوذا غير مسبوقا للشرطة العسكرية الروسية في المنطقة، على أن تتعهد بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود مسافة 70 كليومترا.