من “داعش سني” إلى “داعش شيعي”
بقلم: رفيق خوري

النشرة الدولية –

“داعش” يضرب في أكثر من مكان بعد عامين على هزيمته في الباغوز، الموقع الأخير لما سماه “دولة الخلافة”. من العراق وسوريا إلى اليمن وليبيا. ومن أفغانستان إلى موزامبيق مروراً بأوروبا. وأخيراً، نفذ عملية إرهابية في مسجد في أفغانستان. الروس يشنون عليه غارات كثيفة في بادية الشام. الكرد بدعم أميركي يبحثون عن خلاياه النائمة والنشطة شرق الفرات. والنظرات مختلفة بالنسبة إلى وسائل المواجهة. الجنرال كنيث ماكنزي قائد القيادة الأميركية الوسطى يقول في حديث في مجلة “نيويوركر”، إن “تهديدات داعش قد لا تنتهي لأن الأسباب التي أدت إلى التطرف لم تتم معالجتها، والظروف التي ولّدته لا تزال موجودة، فلماذا نتوقع نتائج مختلفة؟”. والمؤرخ الأميركي والتر لاكوير يرى العكس في كتابه “لا نهاية لحرب: الإرهاب في القرن الحادي والعشرين”. يقول، إن “محاربة الإرهابيين يجب أن تتقدم على محاربة أسباب الإرهاب، فالأسباب ليست الفقر والقمع لأن قيادات الإرهابيين هي من الطبقة الوسطى، و49 بلداً بين الأكثر فقراً في العالم ليس فيها إرهابيون”. وليس قليلاً عدد الخبراء الذين يتحدثون عن نقص في الحرب الكونية على الإرهاب. كيف؟ الجبهة العسكرية والأمنية واسعة ضد داعش والقاعدة وبقية الإرهابيين. والجبهة الثقافية ضيقة وهامشية وخجولة ضد الفكر الإرهابي الذي يستخدم التأويل الفقهي المتطرف. والرأي الواقعي هو العمل على الجبهتين بالتزامن والتلازم والتوازن.

لكن سوريا تواجه، إلى جانب “داعش”، بقايا “القاعدة” عبر جبهة “النصرة” المسيطرة على إدلب ومناطق أحرس في ريف حماه وحلب برعاية تركيا. وتشهد سلسلة من الاغتيالات التي تنفذها أطراف مختلفة، لا سيما في درعا وحوران والقنيطرة. والعراق يواجه نسختين من “داعش”. النسخة الأولى كانت فرع “القاعدة” بقيادة الزرقاوي في مواجهة الاحتلال الأميركي وإمساك الأحزاب الشيعية بالسلطة، الذي تحول بعد مصرع الزرقاوي إلى ما صار “داعش”. أولاً في “الدولة الإسلامية في العراق” التي أعلنها أبو عمر البغدادي قبل مصرعه. وثانياً في “الدولة الإسلامية في العراق والشام” التي أعلنها أبو بكر البغدادي من جامع الموصل. ثم جعل الرقة في سوريا عاصمتها، وتسلط على ثلث العراق ونصف سوريا قبل هزيمته ثم مصرعه على أيدي قوة أميركية. والنسخة الثانية بعد “داعش سني” “داعش شيعي”.

البداية سبقت قيام “داعش” عبر ميليشيات عراقية شيعية جرى تنظيمها وتدريبها وتسليحها في إيران، ثم جاءت إلى العراق بعد الاجتياح الأميركي، كما بدأ تنظيم ميليشيات أخرى في بلاد الرافدين بعد الاجتياح. وهي سبقت بالطبع تنظيم “الحشد الشعبي” بناء على فتوى “الجهاد الكفائي” ضد “داعش”  التي أصدرها المرجع الشيعي الأعلى في النجف علي السيستاني. ولم يكن أبو مهدي المهندس الذي اغتيل بضربة أميركية مع الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” على  طريق مطار بغداد، يكتم القول إن “الحشد الشعبي مشروع أمة، مشروع مرجعية”. واليوم تتحكم بالعراق الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران، وتمارس عمليات التخويف والقمع والخطف والقتل ضد الناشطين في الحراك الشعبي الذي بدأ في المحافظات الجنوبية وبغداد في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ولا يزال مستمراً. أحدث ضحايا الاغتيال كان الناشط في كربلاء إيهاب جواد الوزني، بعد اغتيال الناشط فاهم الطائي ومئات آخرين. بين أهداف هذه الميليشيات الموالية لإيران، التي لعب رئيس الوزراء سابقاً نوري المالكي دوراً في التمكين لها، القضاء على أي حركة وطنية في الوسط الشيعي الذي ضاق ذرعاً بالتسلط الحزبي والنفوذ الإيراني. وأقل ما صارح به العراقيين والعالم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، هو أن هناك “عصابات اخترقت أجهزتنا الأمنية، لا سيما في وزارة الداخلية، وإذا أردنا بناء عراق حقيقي، فيجب حصر السلاح بيد الدولة التي ستحارب أي سلاح يهدد كيانها”. فضلاً عن أن مهمة “كتائب حزب الله” و”جيش المختار” و”عصائب أهل الحق” و”كتائب الخراساني” وميليشيا “أبو الفضل العباس” هي حالياً منع الجيل الجديد في المجتمع المدني من خوض الانتخابات، وحتى السعي لتأخير الانتخابات.

وليس أخطر من “داعش سني” سوى “داعش شيعي”، الأول له داعمون غير رسميين، والثاني تدعمه دولة هي إيران التي تسميها كوندوليزا رايس “المصرف المركزي للإرهاب”. وكان الله في عون العراقيين الذين يريدون بناء دولة وطنية على علاقات طيبة مع محيطها العربي كما مع جارتها إيران، ومع أميركا وأوروبا كما مع الصين وروسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى