ما مدى جدية “بيتكوين” ومن يراقب تحويلات العملات الرقمية؟
بقلم: سوسن مهنا

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

تثير العملة الرقمية “بيتكوين” الكثير من الجدل منذ بروز نجمها كعملة “لا مركزية” أي لا يتحكم بها غير مستخدميها، ولا تخضع إلى رقيب مثل حكومة أو مصرف مركزي، بحيث تعتمد على التشفير، لكن يمكن استخدامها كأي عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت أو حتى تحويلها إلى العملات التقليدية. ووصل الجدل حول التعامل بها إلى حد أن حرمت دار الإفتاء المصرية التداول بها، معتبرة العملة وسيطاً غير مقبول للتبادل، وتشتمل على أضرار “الغرر والجهالة والغش الخفي”، لأنها وبحسب البيان “تخلّ بمنظومة نقل الأموال التقليدية والتعامل فيها كالبنوك، ويسهل بيع الممنوعات وغسل الأموال والتهرب من الضرائب، ما يؤدي إلى إضعاف قدرة الدول على الحفاظ على عملتها المحلية والسيطرة على حركة تداول النقد واستقرارها”. وكان مبرمج ألماني يدعى ستيفان توماس أثار تعاطف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في يناير (كانون الثاني) من هذا العام، بعد نسيانه كلمة المرور الخاصة بحسابه بعملة “بيتكوين” البالغ قيمة عددها أكثر من 200 مليون دولار. وفقد المبرمج الذي يعيش في كاليفورنيا كلمة مرور حسابه الخاص بـ”بيتكوين” البالغ عددها 7002 من العملة، ولم تتبق له سوى محاولتين فقط قبل أن يقفل حسابه إلى الأبد.

قصة الصعود

قبل إصدار “بيتكوين” كان هناك عدد من التقنيات النقدية الرقمية بدءاً من تقنية (ecash) لعالم الرياضيات ديفيد تشوم وستيفان براندس عام 1987، وهي نقود إلكترونية على أساس بروتوكولات التشفير. عام 1997 قام آدم باك بتطوير تقنية (hashcash)، وهو إثبات عمل لمكافحة البريد المزعج. بين أعوام 1998 و2005، أطلقت (وي دي) فكرة التشفير اللامركزية وقام نيك زوبير بتطوير مشروع   (bit gold)وهي عملة رقمية على أساس اللامركزية كاستخدام العديد من العناصر التي نجدها في الـ”بيتكوين” وتعرّض هذا النظام لهجوم قوي.

في عام 2007 ظهر شخص غامض يدعى “ساتوشي ناكاموتو” بدأ العمل على مبدأ “بيتكوين” في اليابان. ويقال إن ناكاموتو هو اسم مستعار جماعي لأكثر من شخص واحد، واحتمالية أن يكون ناكاموتو يعمل في القطاع المالي الأوروبي. في أغسطس (أب) من عام 2008، تم تسجيل موقع bitcoin.org  كنطاق، وتم إطلاق النسخة الأولى من العملة في شهر يناير 2009. وحدد سعر صرف الإصدار الأول من “بيتكوين” عند 1309.03 لكل دولار أميركي، باستخدام المعادلة التي تتضمن تكاليف الكهرباء لتشغيل الكمبيوتر الذي يصدر وحدات الـ”بيتكوين”. وتأسس سوق “بيتكوين” كبورصة في شهر فبراير (شباط) 2010، وأول تعامل عالمي حقيقي باستخدامها حدث عندما تم دفع عشرة آلاف “بيتكوين” مقابل بيتزا على المنتدى التابع لها. عند ذلك الوقت، سعر الصرف لشراء البيتزا كان حوالى 25 دولاراً أميركياً. ونشأت العملة عبر عملية حاسوبية معقدة، ثم جرت مراقبتها بعد ذلك من جانب شبكة حواسيب حول العالم. وللحصول على هذه العملة على المستخدم شراءها وإجراء المعاملات بها من خلال بورصات رقمية مثل (Coinbase) التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها، وبدل أن تقر سلطة مركزية عملية التحويلات، فإنها تسجل جميعها في موازنة عامة يطلق عليها اسم (blockchain).

سهولة التعامل

تتميز عملة “بيتكوين” بسهولة وأمانة الاستخدام، فعند القيام بعملية التحويلات لا يطلب أي بيانات حول العميل، ما يساعد في الحماية وعدم التعرض لسارقي الهويات، كما أن تلك العملة لا مركزية أي أنه لا يتم تحريكها أو تعدينها من قبل مراكز حكومية بل من جهة الأشخاص الذين يمتلكونها فقط. كما أنها تعطي المستهلك حق الحرية في التعامل بالشروط الخاصة به، فكل مستخدم يمكن أن يستقبل أو يرسل الأموال بالطرق الشبيهة بتحويل الأموال النقدية. يوجد حوالى 18053262.5 “بيتكوين” متداول في العالم حتى الآن، ولكن هذا الرقم يتغير كل 15 دقيقة وذلك نتيجة تعدين عملات “بيتكوين” جديدة، فيوجد ما يقرب من 2946737.5 عملة لم يتم تعدينها بعد. وأثبتت الأبحاث أنه يتم استخراج نحو 144 عملة بشكل يومي، ونظراً لأن الكثير من الأشخاص يقومون بالتعدين، بالتالي هم يقومون بإضافة (hashpower)، ما ترتب عليه وجود كتل كبيرة في فترات صغيرة وذلك في أواخر السنوات الماضية، ما أسهم في إنتاج “بيتكوين” جديد وبشكل سريع جداً، لذلك في الكثير من الأيام قد تظهر عملات “بيتكوين” جديدة قد تصل إلى أكثر من 1800 عملة. يذكر أن شركة “أبل” سمحت باستخدام العملة عبر تطبيقاتها منذ عام 2013.

ارتفاع جنوني بقيمة التداول

في مارس (آذار) 2020، تعرضت العملة لانتكاسة قوية بعد تفشي وباء كورونا، قبل أن تكتسب زخماً من المتعاملين الذين وجدوا فيها أداة استثمار مجدية، بعد هبوط الدولار وارتفاع أسعار الذهب لمستويات تاريخية. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، كسرت “بيتكوين” أعلى سعر تاريخي سابق مسجل لها، والبالغ 19.7 ألف دولار، وتجاوزت حاجز الـ 20 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها.

ومع بداية عام 2021، شهدت مضاربة كبيرة وزيادة في حجم التداول عليها، وفي يناير، وصل سعر عملة الـ”بيتكوين” الواحدة إلى أكثر من 30 ألف دولار، وهو رقم قياسي تتخطاه العملة للمرة الأولى، إذ بلغت قيمة “بيتكوين” 3082330 دولاراً، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة “بلومبيرغ”. وكان إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة “تيسلا” الأميركية للسيارات الكهربائية قد أعلن في الثامن من فبراير، اعتماد شركته الـ”بيتكوين” ضمن أدواتها الاستثمارية. وقامت الشركة بضخ استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار، بعد أيام من تصريحات إيلون ماسك، حيث ظهر كمؤمن بالعملة، واصفاً إياها بأنها “شيء جيد”، وقال إنه يعتقد أنها “على وشك الحصول على قبول واسع النطاق من قبل خبراء التمويل التقليديين”. هذا الإعلان، قاد ارتفاعات “بيتكوين” الجنونية لتصل مستويات 48.9 ألف دولار وهو أعلى مستوى تاريخي لها، قبل أن تنخفض قرب مستويات 46.5 ألف دولار، ثم تصعد إلى 49 ألفاً. في الوقت نفسه، قالت “أوبر” و”ماستركارد” أيضاً إنهما تخططان لبدء قبول عملة “بيتكوين” كوسيلة للدفع، في حين أعلن مغني الراب، جاي زي، والرئيس التنفيذي لـ”تويتر” عن تأسيسهما صندوق تنمية للـ”بيتكوين”. هذا الارتفاع المفاجئ طرح تساؤلات عدة حول مستقبل التعامل بهذه العملة. وكان أوضح خبراء أن هذا الارتفاع مرده إلى الأزمة الاقتصادية التي سببتها جائحة كورونا ما أدى إلى اهتزاز النقد حول العالم. أيضاً بسبب عنصر الندرة، إذ يصل عدد عملات الـ”بيتكوين” إلى 21 مليوناً فقط، صدر منها حتى الآن 18 مليون وحدة.

مساوئ التعامل بهذه العملة الرقمية

لكن الـ”بيتكوين” خسرت يوم الأربعاء 19 مايو الجاري، 13 في المئة من قيمتها، وجرى تداولها دون مستوى 40 ألف دولار، وذلك للمرة الأولى منذ الثامن من فبراير الماضي. وذاك بعد تغريدة لإيلون ماسك نفسه، وقال إن الشركة توقفت عن قبول المدفوعات باستخدام عملة الـ”بيتكوين” المشفرة لأسباب بيئية. وأضاف في تغريدة على “تويتر” إن الشركة قلقة بشأن الاستخدام المتزايد بسرعة للوقود الأحفوري لتعدين الـ”بيتكوين” والمعاملات، وخصوصاً الفحم. وانخفضت أسعار الـ”بيتكوين” من حوالى 54700 دولار إلى 52600 دولار تقريباً، فيما زادت حدة الخسائر لتفقد مستوى 50 ألف دولار. وقال ماسك إن “تيسلا” تخطط أيضاً لوقف تداول الـ”بيتكوين” طالما لم يكن هناك تحسن في استخدامها للطاقة. وفي الربع المالي الأخير، كسبت “تيسلا” ما يقرب من 100 مليون دولار من مبيعات الـ”بيتكوين”. وكانت هيئة الرقابة المالية البريطانية، أصدرت تحذيراً في يناير 2021 لمتداولي العملات المشفرة، وقالت هيئة السلوك المالي في بريطانيا، إن المتعاملين الذين يستثمرون في سوق العملات المشفرة “يجب أن يكونوا مستعدين لخسارة كل أموالهم”، نظراً لوجود العديد من المخاطر التي تحوم حول هذا النوع من العملات. وأكدت الهيئة البريطانية، أن الشركات التي تروج لاستثمارات العملات المشفرة “قد تبالغ في العوائد التي سيحصدها المستثمرون وتقلل من مخاطر السوق”، لافتة إلى أنه من غير المرجح أن يتمكن المستثمرون الذين يشترون العملة، من الوصول إلى “حماية المستهلك”، إذا حدث خطأ ما.

وكان المضيف التلفزيوني والمعلق السياسي بيل ماهر سخر من الـ”بيتكوين” في برنامجه (Real Time with Bill Maher) 30  أبريل الماضي. وقام بتسمية الـ”بيتكوين” والـ”دوغ كوين” وعدد من العملات المشفرة الأخرى، واعتبر أن الـ”دوغ كوين هي نفسها مثل جميع العملات المشفرة الأخرى لأنها كلها مزحة”، مطلقاً عليها اسم “أموال رسوم أرنب عيد الفصح”، وقال “مصدر طاقتها يعتمد فقط على وجود عدد كاف من الأطفال يؤمنون بها” كالشخصية الكرتونية (Tinkerbell).

“لا قمية لها”

وتحدث ماهر بعد ذلك عن ساتوشي ناكاموتو، مشيراً إلى أن أسماء مبتكر الـ”بيتكوين” ذات الاسم المستعار “هي الكلمات اليابانية للأموال الاحتكارية”.

ثم قال: “يجب أن تنشأ الأموال من شيء حقيقي في مكان ما وأن يتم توليدها منه، حين تقول العملة المشفرة لا”، ونقلت عن الرئيس التنفيذي لشركةBerkshire Hathaway، وارن بافيت، ربما لهذا السبب وارن بافيت يقول، “العملات المشفرة لا قيمة لها ولا تنتج أي شيء. ما تأمله هو أن يأتي شخص آخر ويدفع لك المزيد من المال لاحقاً، ولكن بعد ذلك يواجه هذا الشخص مشكلة أن القيمة هي صفر”. واقتبس المضيف التلفزيوني من مؤلف كتاب “البجعة السوداء” نسيم طالب، الذي وصف ذات مرة أن الـ”بيتكوين” هو “مخطط بونزي مفتوح”، (بونزي نسبة إلى تشارلز بونزي وهو محتال إيطالي انتقل إلى أميركا الشمالية وأصبح مشهوراً بنظامه المحتال في صنع الأموال، في أوائل العشرينيات 1920 تمكن بونزي من الاحتيال على مئات الضحايا وظل مخططه يعمل لأكثر من عام. ببساطة، مخطط بونزي هو عملية استثمار احتيالية تعمل عن طريق الدفع لأقدم مستثمرين باستخدام أموال تم جمعها من المستثمرين الجدد).

وأضاف ماهر: “الأمر أشبه بامتلاك صديق خيالي يعمل أيضاً مصرفاً”، مشيراً إلى كيفية انهيار الاقتصاد العالمي في عام 2009.

وهاجم شركة “تيسلا” قائلاً، “كيف يمكن لشركة مثل Tesla المساعدة في إنقاذ الكوكب بالسيارات الكهربائية، ومن ثم المشاركة في التدمير بأموال المقامرة عبر الإنترنت غير المجدية تماماً؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى